أمامة الترابي تكتب ..القوالب والأنماط

في نموهم وسعيهم في الحياة، يتشكل وعي البشرالإجتماعي ومعرفتهم ببعضهم البعض. منذ الصغر، يبدأ الفرد في تكوين بعض الصور والتصورات النمطية عن الأشياء أثناء عملية التعليم (نظامية كانت أم غير ذلك) كما يبدأ أيضاً في تكوين بعض الأفكار/ التصورات ،التي تكون منقولة أو مكتسبة من مجتمعه الصغير، عن أنماط الآخرين (الجماعات) في المجتمع الأصغر فالأكبر. هذه الصور النمطية عن جماعة الفرد أو الجماعات الأخرى قد تحمل بعض الصفات الحقيقية والعامة عن بعض المجوعات المصنفة على أساس العرق أو الجنس أو الدين أو العمر أو الطبقة الإجتماعية- الإقتصادية ولكنها (الصور النمطية) في أحيان كثيرة تحمل بعض التصورات غير الموضوعية والتي لا يمكن التحقق منها بصورة علمية ولا يمكن بأي حال تعميمها على المجموعة وغالباً ما تستبطن بعض الأحكام المسبقة (المتحاملة أو المتحيزة).

في حقيقة الأمر فإن كل فرد في أي مجتمع إنساني، ينتمي على الأقل لمجموعة نمطية ما على أساس معين. ففي أي مجتمع، هنالك تصورات محددة عن الفئات العمرية أو الجماعات الدينية أو الطبقات الـإجتماعية أو المهن أو المجموعات العرقية أو خلاف ذلك من تصنيفات. لا بد أن قدر ما من التعميمات الموضوعية (على أساس النمط) قد يكون مفيداً في حال محاولتنا استكشاف مجموعة ما أو التعامل معها أو خدمتها. مثلاً، في حال الحملات التسويقية التجارية، فإن الصورة النمطية عن فئة الشباب بوصفهم في الغالب أكثر اندفاعاً من الكبار وأقل دخلاً وأجرأ على تجريب الجديد ، تساعد في معرفة كيف يكون المنتج الأفضل والوسيلة التسويقية الأوصل والسعر الأنسب والميزات التفضيلية الأقيم. لكن تظل بعض التصورات النمطية مبنية على أساس متوهم أو ظرفي وليس لها سند علمي أو واقع موضوعي بل كثيراً ما تكون في خلاصتها عبارة عن وصمة إجتماعية ما تجاه جماعة ما (أخرى) وهنا يبدأ التفاعل بين الأفراد أو الجماعات في المجتمع بالتأثر سلباً على المدى القصير أو الطويل أو كليهما فيضع من فرص تقدم المجتمعات وتعايشها السلمي وتمازجها وتجانسها.

في أحيان كثيرة، قد لا يدرك أحدهم أنه يضع مجموعة ما في قالب محدد ويحمل تصور نمطي عنها مما يمكن أن يجعله يصدر بعض الأحكام المسبقة على أفراد تلك المجموعة خلال تعامله معهم فيؤدي هذا غالباً لحدوث شكل ما من التفرقة السالبة والظلم الاجتماعي. وبالطبع فإن الأثر السيء لعدم الوعي بما نحمله من صور نمطية وما يمكن أن يصدر عنا من أحكام مسبقة وما يتبع ذلك من هضم للحقوق يزداد كلما ازدادت مكانتنا في المجتمع وأثرنا على الآخرين حال كوننا أصحاب سلطة مباشرة أو ذوي أثر على الرأي العام مثلاً!!

من بين كل هذه الآثار السيئة للصور النمطية أو فلنقل للتنميط غير الموضوعي يظل أثر الصورة النمطية أوقع في سلبيته على أداء أفراد المجوعات المنمطة تلك. لا شك أن غالب أفراد الجماعات التي توضع في قالب نمطي يكون لديهم قدر من الوعي بالصورة النمطية المعروفة عنهم خصوصاً إن كانوا من الأقليات أو المجموعات الأقل نفوذاً في مجتمع ما. في العام 1995 أجرى العالمان كلود ستيل وجوشوا آرنسون تجربة علمية اختبرت أداء طلبة جامعيين في بعض الاختبارات الأكاديمية. أُطلق على التجربة أسم ” خطر النمط”. خلصت التجربة لأن أي نوع من التنويه قد يذكر الأشخاص بانتمائهم لمجموعة تقع تحت طائلة النمط والقولبة السلبية، يؤثر سلباً على أدائهم، إذ أنه يضع تفكيرهم وتفاعلهم داخل ذلك القالب “السلبي” المشهور ويبدأ أثر الوصم* في التفاعل فيقلل من أداءئهم وانجازهم الذي يكون جيدا حال عدم التنوية لمسألة الصور النمطية أو القوالب السلبية تلك. تأكيداً لنتائج التجربة الأولى، أُجريت تجارب لاحقة تم فيها ما يعرف بتعزيز الصورة النمطية (ذكر جوانبها الإيجابية) باستدعاء ميزة تفضيلية للمجوعة التي يتنمي لها الاشخاص أو رفع/ تصعيد الصورة النمطية باستدعاء صفات سالبة ما في المجموعة/ المجوعات الأخرى (المخالفة/ المناقضة) فيشعر أفراد المجموعة بالتميز ويتحسن أدائهم في كلا الحالتين!

لا شك أن هنالك آثار عديدة سالبة لتلك الصور النمطية المعممة تتدرج من الأذى النفسي المباشر الذي يقع على أحدهم وتصعد لتصل لمرحلة الظلم الاجتماعي الواقع على جماعات كاملة في مجتمع ما حكم عليها بتلك القوالب السالبة.

بخلاف أهمية أن يعي كافة أفراد المجتمع (المجموعات المختلفة) ما يحملونه في أذهانهم من صور نمطية عن أنفسهم و الآخرين وأن يسعوا دائماً لمساءلتها والاعتراف بها في تعاملهم مع بعضهم البعض، فإن المسئولية الأكبر تقع على كل من لديه أثر أو سلطة على الآخرين كالمعلمين والمدراء والسياسيين والإعلاميين والزعماء المحليين، إذ يجب عليهم دوماً أن يسعوا لخلق بيئة تضمن سلامة هوية الأشخاص من آثار الصور النمطية والقوالب وقد يكون هذا مثلاً بتجنب أي تناول يستدعي تلك الصور النمطية السالبة أو يذكر بها ولو قليلاً وإن كان لا بد من الحديث عن الصور النمطية أو استدعائها، فيمكن أن يكون ذلك في إطار تعزيز التصورات الإيجابية عن هوية ما!!

• راجع مكتوب “الوسم والوصم”.

12 يوليو 2020



Related posts