عبد الله مكي يكتب: درجة الكتابة صفر!!…. عام على الإنضمام لكوكبة (أجواد)

قبل عام بالتمام والكمال اتصل شخص عزيز وعرض على الكتابة في موقع يُسمى (أجواد نيوز)، فوافقت على الفور، وذلك لسببين :

أولاً: قيمة الشخص الذي اتصل عليّ فلا أستطيع أن أرفض له طلباً.

ثانياً: تعرفت على هذا الموقع من خلال قراءتي لمقالات الأستاذة أمامة حسن الترابي، والدكتور وليد سيد، والأستاذ محمد حامد جمعة.

وحقيقة شعرت بالفخر للإنضمام لهذا الموقع، فهو من المواقع القليلة الجادة والمتميزة، خاصة في المقالات والأخبار، فهو بحق (أجواد) وتعني عندي (الجود والجدية والجدارة). فلم يلجأ الموقع للتحسس والتجسس على الناس، ولا متابعة عوراتهم، ولا تقصي فضائح الفنانين والفنانات ولا مزالق لاعبي كرة القدم، ولا هفوات نجوم المجتمع، ولا صغائر الناس. فبهذا اليوم الرابع من شهر أغسطس 2021، أكون قد أكملت عاماً كاملاً في معية الكوكبة الفريدة (أجواد نيوز).

فماذا قدّمت لي (أجواد)؟

أولاً: قال متحدثي في التلفون إنهم يريدون أن تكون مقالاتي البحثية ضمن مقالاتهم، واشترطوا عليّ أن أكتب أربعة مقالات شهرية بمعدل واحد كل أسبوع، وتكون عدد كلمات المقال(1000) كلمة، تنقص أو تزيد (50) كلمة.

فقد كنت أكتب قبل (أجواد) ما يحلو لي من الكلمات (1500) كلمة و(3000) كلمة، ومرة كتبت مقالاً (6000) كلمة. فمع (أجواد) تعلمنا الإنضباط في الكتابة. مع ان البعض يراها كثيرة، خاصة عندما تُنشر في الفيسبوك.

ثانياً: وجدت نفسي ضمن كوكبة متميزة من الكتاب والإعلاميين والإداريين والمصممين والفنيين تعلمت منهم الكثير، وأذكر على سبيل المثال – لا الحصر – عمار حسن عمار، محمد حامد جمعة، أمامة حسن الترابي، وليد سيد، محمد عبد الرحيم علي، أبو سن، محمد صديق، وغيرهم.

ثالثاً: الإلتزام بالكلمات جعل هنالك عدد من المقالات في شكل سلسلة، منها مثلاً: المجتمع المدني والسياسة (ثلاثة حلقات)، الشريعة والسياسة (أربع حلقات)، الحركات المسلحة والعمل السياسي (ست حلقات)، الإسلام السياسي وتحديات ما بعد الإستعمار: حسن الترابي نموذجاً (سبع حلقات)، وغيرها.

رابعاً: لأول مرة انتبه أن بعض المقالات يمكن تطويرها إلى كتب، وهذا نبهني له عدد من الأخوة الأساتذة والإعلاميين والقراء، فشكر خاص للدكتور الشيخ عثمان البشير الكباشي، والأستاذة نوال مصطفى، والأستاذ عمار حسن عمار، والدكتور أبوبكر محمد يوسف، والأستاذ النور صالح المهدي، والأستاذ النذير السر، والدكتور محمد أحمد فقيري، والمهندس الفاتح محمد حسن، والشيخ عبد الحفيظ مكي، والأستاذ عبد المنعم بدوي، والأستاذ سليمان البغدادي.

بل اتصلت جهات تبرعت بطباعة عدد من الكتب، وعلى سبيل المثال: الشريعة والسياسة، والحركات المسلحة والعمل السياسي، وكتاب عن الشيخ حسن الترابي، والجيش والسياسة تأملات في الحالة السودانية، وهناك أخ عزيز دكتور في إحدى المؤسسات الأكاديمية القطرية تبرع بطباعة كل المقالات في كتاب.

خامساً: هناك بعض الصحف اتصلت بي وطلبت مني نشر مقالاتي التي أكتبها في (أجواد) على صفحاتها وعلى رأسها (السوداني الدولية) و(ألوان). فشكر خاص للأستاذ عبد العزيز النقر والأستاذ اسماعيل جلي.

فالتحية لموقع (أجواد نيوز) الذي تعلمت منه الكثير، وفتح لي آفاقاً جديدة، وعرفني بقامات في عالم الإعلام والكتابة. ومن نجاح إلى نجاح إن شاء الله.

هدية في آخر المقال

في العام 2016 كلفني الأستاذ حسين خوجلي بكتابة عمود يومي في صحيفة (ألوان)، أسميته (كلام في الصميم)، فكان أول عمود تحت عنوان :

 درجة الكتابة صفر!!

* العلم صيد والكتابة قيد، ولكن السؤال هو لماذا نكتب؟ هل نكتب بقصد أن نحب؟ كما قال ميشال شارل، أم نكتب كي نكره؟ هل نكتب كي نهجر معسكر القتلة؟ كما يعتقد فرانز كافكا، أم نكتب كي نتفنن في قتل ضحايانا الذين يسقطون تباعا بتوالي الطلقات؟

* أم أنّ الكتابة حرفة يمتهنها كل الذين يتوهمون أنهم النخبة الحائزة على أعلى درجات الثقافة والفكر والمتوفرة وحدها على حاسة سادسة تمنحها القدرة على اكتشاف خيوط المؤامرة المتشابكة؟ أم نكتب لنغير العالم؟ كما يقول ليو تولستوي: الكل يفكر في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه … فهل نجحنا في تغيير الذات كي نفكر في تغيير العالم؟

* أحد الأخطاء القاتلة التي يمكن أن يرتكبها الإنسان هو أن يكتب من دون هدف يُذكر، فيكتب أي شيئ، تحت عنوان أي شيئ، كي يبلغ أي شيئ.

* الكتابة ليست تمجيداً للذات بقدرما هي إدانة لها، كما يقول إيبسن: أن تكتب : يعني أن تدين ذاتك في جلسة محاكمة!

* الكتابة عند درجة الصفر وتسمى: “الكتابة البيضاء”، أو”الكتابة الحيادية”، أو”كتابة موت الأدب”، هي نظرية الناقد الفرنسي (رولان بارت) ظهرت في الخمسينات، ويؤكد على حقيقة ابداعية مهمة ترتبط بالكتابة الأدبية الأوربية، وهي ما سماه (كتابة بيضاء أو كتابة بريئة) وهي نوع خاص من الكتابة الأدبية تتوسل لغة المحايدة لتكوين شكلها الخاص، أي لغة لا تُشير إلى حالة المتحدث (مفرد أو جمع) ولا إلى زمن الفعل (ماضٍ أو حاضر) فهي كتابة بدرجة صفر مختزلة إلى نوع من صيغة النفي ويتلاشى داخلها الطابع الاجتماعي والأسطوري للغة.

* وهناك أيضاً (الكتابة المنتصرة) وهي كتابة فئوية ارتبطت بالبرجوازية والانتصارات السياسية والفكرية التي حققتها، أو كما تم وصفها هي (لغة طبقة أقلية محظوظة).

* اعتقد أنّ الكاتب الحقيقي هو من يُعبّر عن هموم وآمال وآلام أمته ومجتمعه، وإلا سنكون سواء كما قال الدكتور الشهيد علي شريعتي: “الذي لا يهتم لأمر أمته فليس مهماً أن يكون في خمارة يشرب أو في محراب يُصلي”.

* فليس للناظر لحال أمتنا عامة ووطننا السودان خاصة، أن يكتب كتابة محايدة أو بيضاء أو بريئة، وإلا سيكون مثل حال الفنان الذي ينظر للحروب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور وجنوب السودان وفلسطين وأفغانستان والعراق وسوريا وليبيا ومالي والصومال وغيرها ولا يزال هذا الفنان يُردد: (وروني العدو واقعدوا فراجة).

* فلسنا محايدين تجاه قضايا أمتنا، ولسنا محايدين تجاه الصراع الحضاري العالمي، ولسنا محايدين تجاه ما يدور في السودان من حروب وحصار ونزال وجدال وقتال وحوار، ولسنا محايدين تجاه قضايا مجتمعنا واقتصاده وفنه وعلاقاته الخارجية وبسالة البعض وشجاعته وجسارته وعمالة البعض الآخر وخيانته.

* فلن تكون درجة الكتابة عندنا تساوي صفراً، فإما كتابة تسر الأخ والصديق والجار، أو قلم جريئ يغيظ الأعداء والمرجفين في المدينة و(الإنتلجنسيا) المتولية يوم الزحف –  حسب تعبير الأستاذ المحبوب عبد السلام.

* شكراً لـ(صحيفة ألوان)، وللأستاذ حسين خوجلي فقد منحوني فرصة الكتابة في هذه الزاوية، ونسأل الله أن نكون قدر التحدي، وعند حُسن ظن القارئ، والذي بفطنته ومعرفته بظاهر الأمور وباطنها، يجعلك ترتجف وتتلعثم وتتوقف ألف مرة قبل أن تخط كلمة واحدة بقلمك. 

قبل الوداع

 * ” الكتابة إليكم مرة مرارة القدر في طريق القاعدين، والكتابة إليكم لا تُسلي عن رؤية ولقاء وجلوس “. من رسالة الشهيد الفاتح حمزة لأخيه الشهيد مصطفى ميرغني المزمل.

* يقول أرسطو: ليست الشجاعة أن تقول كل ما تعتقد، بل الشجاعة أن تعتقد كل ما تقول.

Related posts