يوسف عمارة أبوسن يكتب : سرقة دار الوثائق وحل جهاز الأمن

يوسف عمارة أبوسن

أمن المعلومات من أكثر الملفات أرقا بالنسبة للحكومات خصوصا بعد رقمنة كافة ملفات ومعلومات السياسة والإقتصاد والمجتمع تماشيا مع ثورة المعلومات والإتصالات ، وذلك لسهولة التعامل معها سواء بالتعديل أو النقل أو الإسترجاع .
في أعقاب ثورة أبريل 1985 نادت الأحزاب السياسية بحل جهاز الأمن القومي السوداني ، وأستخدمت الشارع لتنفيذ هذا المطلب وللضغط على الحكومة الإنتقالية الهشة آنذاك ، فتم حل الجهاز وأقتحمت جهات وأجهزة إستخبارات حولت أرشيف الجهاز كاملا لمصلحتها ، فضاع كم هائل من المعلومات كان يقتنيها واحد من أكثر أجهزة الأمن فعالية وقوة في أفريقيا.

كان (جهاز أمن نميري) شريكا في عمليات كثيرة في أفريقيا مع أجهزة أمن عالمية وإقليمية ، ويمتلك قواعد سرية ومنازل آمنة في عدد من العواصم المؤثرة في أفريقيا والشرق الأوسط وعدد من دول العالم ، فضاع هذا الإرث المخابراتي الهائل وتقسم دمه بين أجهزة الإقليم ، لكن ما تبقى منه أستفاد منه لاحقا جهاز الأمن في عهد النظام السابق بواسطة ضباط سابقين بالأمن القومي في حقبة حكومة مايو .
أَول أمس الخميس 4 مارس فتحت الدكتورة فاطمة ابراهيم محمد – الأمين العام لدار الوثائق القومية بلاغ سرقة بقسم شرطة الخرطوم شمال ، يفيد بسرقة عدد 2 لابتوب و 2 وحدة تخزين خارجية (إكستيرنال هارديسك) ، وأفادت بأن السرقة تمت من إدارة التقارير المصلحية ولم يتم كسر الباب ما يعنى أن الجهة السارقة تتواطأ مع شخص أو أشخاص في داخل دار الوثائق .
وبحسب مصادر فإن الأجهزة المسروقة تحوي معلومات ووثائق حساسة وملفات إستراتيجية وحيوية من ضمنها ملف عن طوبوغرافيا الأرض السودانية ، وتقرير المسح الطبوغرافي للعام 1947 ، بالإضافة لملف زراعة الأرز وملف الصمغ العربي وخارطة مواقع المياه الجوفية في كردفان ودارفور ، وملفات أخرى ربما تكون أكثر حساسية أو مرتبطة بملفات سياسية جاري التفاهم بشأنها مع دول الجوار.

وعضد هذه الفرضية التكتم على تفاصيل نوع وهوية الوثائق المفقودة ، لأن هدف مثل هذه السرقات لن يكون لغرض أكاديمي أو بحثي وإنما لأغراض تتعلق بالتعامل مع ملفات سياسية في إطار الصراع والتدافع بين الأمم ، وهذا يقودنا لتساؤلات حول هل يمكن أن تشمل المفقودات وثائق ومحاضر إجتماعات اللجان الوزارية السودانية الاثيوبية حول الأراضي والحدود والتي يوجد ببعضها توقيعات وإقرارات من مسؤولين اثيوبيين ؟؟ ، وهل تحتوي الوثائق على مستندات فنية وتفاهمات تتعلق بملف مياه النيل ؟؟ هذه الأسئلة قد تحدد لك من المستفيد سواء بخسارة السودان لعناصر وكروت قوة أو تحويل هذه الكروت لطرف آخر مناوئ !.


إشراف وحظر تداول المعلومات

لذلك ظلت الوثائق أعلاه والملفات المشابهة المتعلقة بقضايا الأمن القومي تحت إشراف جهاز الأمن بشكل مباشر ، وبعضها محظور التعامل معها وتداولها بغير إذن خطي من الجهاز أو رئاسة الجمهورية ولغرض معلوم أو بموجب أمر قضائي وذلك لحساسيتها ، وكل الدول تولي هذا الأمر إهتماما بالغاً سواء على مستوى تأمين المعدات من الفقدان أو تأمينها بعد الفقدان بإتلافها عن بعد ، أو تأمين محتويات الشبكة للملفات المحفوظة (سحابياً) على شبكة الإنترنت.

وبالتزامن مع رقمنة الإجراءات الحكومية وحوسبة معلومات وقنوات التواصل الرسمية ، فقد طورت الكثير من الدول منظومات للأمن السيبراني لحماية نظمها الداخلية من الإختراق ويشمل ذلك المعلومات الأمنية والبيانات حول الموارد الطبيعية والبشرية.

ظلت الوثائق والملفات المتعلقة بقضايا الأمن القومي تحت إشراف جهاز الأمن بشكل مباشر ، وبعضها محظور التعامل معه بغير إذن خطي من الجهاز أو رئاسة الجمهورية أو بموجب أمر قضائي


مسائل أمن قومي

هذه الحادثة يجب أن ينظر لها بكثير من الحذر والريبة كما يجب أن تواجه بقوة وحسم ، فالتهاون في مسائل الأمن القومي يعرض البلاد للنكسات على كافة المستويات ، وهناك مستفيدون كُثُر من تعرية البلاد من عناصر قوتها ومن بين هؤلاء دول الجوار التي تجري عملياتها الأمنية على أراضينا ، ومن عناصر قوة البلاد سيطرة الدولة وإحتكارها لــ(المعلومات) والتي هي عنصر قوة يسهم في تعزيز سلامة القرار السياسي والإداري.

إن تفتيت ممسكات القوة في السودان بعد ثورة أبريل 1985 كان عبر حل جهاز الأمن القومي ، وبعد ثورة أبريل 2019 أنتشرت دعوات لحل جهاز الأمن والمخابرات وتفكيكه بدعوى أنه جهاز أمن النظام البائد ، هذه الدعوات لم تحل الجهاز لكنها دجنته وجعلت منه جهازا مرتجفاً مجنحاً يحسب كل صيحة من (لجنة مقاومة) هي عليه ، وبين كل صيحة وصيحة يتحسس قادته (دبابيرهم) خشية (زن دبابير) الثورة ، والثورة التي عجزت عن بناء حكومة معافاة فهي حتما عن بناء الدولة أعجز ..

يوسف عمارة أبوسن

Related posts