يوسف عمارة أبو سن يكتب ..العمال بين غياب اليسار وهيمنة الرأسمالية

العمال بين غياب اليسار وهيمنة الرأسمالية

يوسف عمارة أبوسن


يصادف يوم الفاتح من مايو من كل عام عيد العمال العالمي ، ولا زال عمال العالم يعيشون أزمات متزايدة يوما بعد يوم ، فقد بدأت أزمات العمال مع الثورة الصناعية وسيطرة الآلة وتسلط الرأسمالية العالمية ثم شبح البطالة والهجرة الذي أوجد فائضا من الأيدي العاملة التي تعمل في ظروف غاية في السوء لتوفير لقمة العيش في عالم تحول إلى مطحنة لا مكان فيها للفقراء ، فقد خيم شبح البطالة مؤخرا بسبب قلة الوظائف مع سطوة الآلة وانتشار الحروب المعطلة للإنتاج وكثرة المهاجرين بما فاض عن حاجة سوق العمل وخلق تنافسية قللت من إمتيازات العمال وحرمت كثيرين منهم من حقوقهم الأساسية ..
إن الصرخة التي أطلقها البيان الشيوعي في العام 1848م بأن (يا عمال العالم أتحدوا) والتي صارت أهم الشعارات السياسية للشيوعيين فيما بعد ، كانت لأن الثورة الصناعية حولت الإقطاعي الزراعي الصغير إلى برجوازي صناعي كبير يملك عشرات المصانع فزاد إستبداده وإستعباده للعمال ليحقق أكبر قدر من الأرباح بأقل التكاليف التشغيلية ، وتبعا لذلك نشأ الصراع الطبقي بين البرجوازية والبروليتاريا ، بين المستغِل والمستغَل الذي هو امتداد لثنائية العبد والسيد في المجتمع الإقطاعي السابق للإشتراكية .
ثم في عصر الثورة الرقمية تحول البرجوازي صاحب المصانع المتحكم في العمال إلى رأسمالي رقمي يراكم ثروته من أرباح التطبيقات الإلكترونية ليصنع اقتصادا جديدا هو إقتصاد المعرفة ، يتأسس هذا الإقتصاد على مجهود العقول لا عرق الأجساد وعلي ذكاء الروبوتات لا مجاميع العمال ، ويقدم خدماته للنظام العالمي الجديد عبر هندسة العقول والتحكم في الأمزجة ليضع العالم ككل في إطار العولمة الثقافية الشاملة ..
تعتبر منظمة العمل الدولية تجمعا أقرب للنظام الرأسمالي الدولي وتركز أهدافها حول حماية وتعزيز حقوق العمال ، وتقوم عبر مكتب الأنشطة العمالية الدولي بتنسيق أنشطة النقابات والحركات العمالية حول العالم وتنتمي للمكتب أكثر من 500 نقابة وطنية حول العالم ، وتهتم المنظمة كذلك بضمان معايير التوظيف والسياسات والحقوق المتساوية والضمان الإجتماعي والأجور وتبيئة ظروف العمل ، كما أنجزت المنظمة إصلاحات قانونية ودستورية في أكثر من 100 دولة بعد قيامها بمعايرة القوانين الوطنية في تلك الدول لتضمن للعمال حقوقا إضافية منها إدماجهم في منظومة التأمين الصحي وضمان الحد الأدنى من الأجور ومكافحة عمالة الأطفال ، وقد تم ذلك بتمويل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وبالتعاون مع الاتحاد الدولي للنقابات العمالية ..
يقدر العمال حول العالم ب 160 مليون عامل منهم 53 مليون عامل منزلي معظمهم من المهاجرين ويشكل النساء نسبة 80 % منهم ، ونسبة كبيرة منهم معرضة لإنتهاكات حقوق الإنسان كالإستغلال الجنسي والرق والعمل الجبري والعنف الجسدي والمعنوي كما أن العمال المنزليين يعدون أضعف حلقات العمالة لأنهم يفتقدون للطابع الرسمي في أعمالهم ما يحرمهم الحرية النقابية وتحديد ساعات العمل ..
هذا عن مساعي المنظمة المحسوبة على الرأسمالية العالمية أما مساعي التيار الإشتراكي فهي لم تتعدى المرحلة النظرية ، فالإرث اليساري يفيض بالعديد من الشعارات المناصرة لحقوق العمال ، ومع سقوط اليسار في مهده بإنهيار المعسكر الشرقي شهدنا في العالم العربي يسارا (جزافيا) مستأنسا من القوى الرأسمالية ظل متمسكا بالشعارات على المستوى النظري لكنه عمليا يمارس إنتهازية سياسية لا تتوافق مع إرثه النضالي المناهض لإستغلال الكادحين وتركيز الثروة في يد طبقة دون الأخرى ، فالشعار الذي رفعه المفكر الإشتراكي كارل ماركس (من كل حسب قدرته ، إلى كل حسب حاجته) هو شعار منحاز تماما للطبقة العاملة وهو أحد السمات المميزة للنظام الإشتراكي ، لكنه في الواقع يظل شعارا نظريا ،
فرغم ريادية الحركة النقابية العمالية في العالم العربي والتي قوامها الإشتراكيون العرب فإنها لم تستطع تحقيق إنجازات مطلبية على مستوى الأقطار التي تعمل فيها ، فمعظم الدول العربية لم تصادق على اتفاقيتين رئيسيتين لمنظمة العمل الدولية هما (إتفاقية الحريات النقابية وحماية التنظيم لعام 1948) و (اتفاقية المفاوضة الجماعية لعام 1949) ، وهاتان الإتفاقيتان تحملان جُل ما نادى به الإشتراكيون رغم أنها صادرة عن منظمة لم تنشأ وفقا لمعاييرهم ولم تمول من أي من دول معسكرهم ..

لكن يظل الشعار دائما شعارا .. ويظل مع ذلك .. درن الأيدي العمالية أنضف وأشرف من كرفتة البنك الدولي وكل وجوه الراسمالية ..

Related posts