يوسف عمارة ابو سن ..المخزون الاستراتيجي في مواجهة فيروس كورونا


المخزون الاستراتيجي في مواجهة فيروس كورونا
يوسف عمارة أبوسن
بحسب منظمة الصحة العالمية فإنه حتى الآن لا يوجد علاج لفيروس كوفيد 19 وبالتالي فإن كل الجهد سيتركز حول الإجراءات الوقائية للحد من إنتشار المرض وهذه الإجراءات قد تضغط على الجهات المقدمة للخدمة الصحية ما يجعل الحجر المنزلي هو أفضل الخيارات لمنع انتشار الفيروس وكسر سلسلة إنتقال العدوى ..
وبما أنه لا يوجد حاليا تخمين محدد أو تنبؤ بنهاية وباء كورونا ، كما أنتشرت أبحاث تشير إلى أن الأزمة قد تستمر حتى النصف الثاني من العام 2021 وهو الموعد المتوقع لإنتاج لقاحات مضادة للفيروس ، وأقل التقديرات وأكثرها تفاؤلا يتوقع نهاية الوباء بنهاية شهر يونيو أو بداية شهر يوليو 2020 ، فكما أنه يصعب توقع نهاية الوباء فإنه كذلك يصعب التكهن بالتداعيات الناجمة عنه ، أو الأزمات التي سيخلفها ..
الأزمات المتوقعة إثر كل جائحة سواء كانت عالمية أو محلية تحتاج سياسات تراعي أسوأ الإحتمالات وتتحسب لأسوأ الفروض ، ومن هذه الأزمات نتجت فكرة (المخزون الإستراتيجي) الذي يكون عادة أموالا ومؤناً إحتياطية تخصص لمواجهة الطوارئ والأزمات العارضة مثل الكوارث الطبيعية والبشرية ، وتأمين الإحتياجات العاجلة يتطلب الاحتفاظ بقدر من المواد الغذائية والاستراتيجية (قمح ، وقود ، أدوية ..) تساوي ثلث معدل الإستهلاك السنوي منها ، وذلك بحساب تقديرات الإستهلاك اليومي من هذه السلع سواء كانت مستوردة أو تم إنتاجها محليا ، ووضع هذه السلع الإسترتيجية بيد الدولة له عدد من المزايا الإيجابية على كافة الأصعدة ، فهو إقتصاديا يضمن تنظيم توزيع السلع للسوق لأطول فترة ممكنة للموازنة بين العرض والطلب وضمان إستقرار الأسعار ، وسياسيا يضمن سطوة الدولة على الموارد الضامنة لإستقرارها السياسي وأمنها القومي ، وإجتماعيا هو يمكن الدولة من السيطرة على الهلع الإستهلاكي المصاحب لحالات الكوارث والذي قد يستغله (القطاع الخاص) سلبا وينتج عن ذلك الإحتكار والزيادة المفاجئة في أسعار السلع ..
في حالة السودان هناك عوامل عدة تتشارك في توصيف الحالة الراهنة أو المتوقعة إثر جائحة كورونا ، فالوضع قبل الوباء كان أقرب للكارثية منه للإستقرار الإسترتيجي ، فحساب الحوجة للسلع الإستراتيجية يعد صعبا بإستصحاب عوامل الندرة والتضخم الحاد وتدني سعر العملة المحلية مقابل الدولار ، فوفقا للبيانات الحكومية الرسمية فإن إحتياجات البلاد من القمح تبلغ مليوني طن سنويا ، أي 165000 طن شهريا وبحساب إتحاد المخابز ووزارة التجارة (110 ألف جوال دقيق يوميا) ، وفي الظروف العادية وقبل أزمة كورونا تعمل المطاحن بطاقة أقل من 60% وهذا يبدو واضحا من الصفوف المتراصة يوميا على أبواب المخابز ، فهل الدولة السودانية قادرة على تأمين معاش الناس وأقواتهم لمدة (ثلاثة أشهر في أقل الروايات تشاؤما) وفي ظل تعطل عجلة الإنتاج والقرار المتوقع بتمديد حالة حظر التجول الكامل ، وفي ظل توجيه كافة طاقات الدولة ومقدراتها لمواجهة جائحة كورونا ، سيكون ذلك صعبا جدا .
قبل أيام صرح وزير الإعلام أن الحكومة قد تعاقدت مع مطاحن محلية لتوفير 45 ألف طن قمح وتعاقدت كذلك مع صندوق الغذاء العالمي لتوفير 200 ألف طن والعدد 245 ألف طن يكفي ل 45 يوما فقط ، وما توزعه مطاحن (سيقا ، سين ، ويتا ، الحمامة ، روتانا) بالإضافة للناتج المحلي من القمح والمتوقع أن يبلغ (مليون طن) والذي سيدخل عبر البنك الزراعي في بداية أبريل ، وتوقعات الموسم الزراعي بالاضافة لعقد المطاحن المحلية وعقد صندوق الغذاء العالمي كلها تدخل في دائرة المتوقع الذي لم يدخل بعد دائرة الواقع ، فالموسم ربما يكون التقدير فيه مبالغا ، وعقود المطاحن ربما تتعثر لاسباب مالية (كما حدث مع الفاخر) وعقد الصندوق ربما يكون خطوات لم تدخل حيز الإجراء الفعلي بعد ، كل هذه ال (ربما) تخرج الأرقام أعلاه من حسابات أنها (مخزون إسترتيجي) لمواجهة أزمات قد بسببها وباء كورونا ، لتضع الدولة أما فشل كبير هو أنها غير قادرة على أن تكون وسيطا جيدا في توفير السلع بين الموردين والمستهلكين ، فطالما أنها غير قادرة على توفير الخبز لمن يشتريه ، فكيف توفره لمن لا يستطيعون شراؤه ؟؟
هذا عن القمح فقط .. أما الوقود والدواء ومعينات الوقاية وآليات التدخل المبكر لمكافحة الأوبئة وغيرها من ضروريات الأمن القومي الإستراتيجي ، ففيها حديث آخر ..


Related posts