يوسف عمارة ابو سن : النيابة والشرطة من يكسب؟؟

النيابة والشرطة من يكسب؟؟

كتب : يوسف عمارة أبوسن

ظل النظام السابق _ علي علاته في ممارسة السلطة _ يحفظ عددا من التوازنات بين أجهزة الدولة لفترة طويلة ، حتى تلك التي بينها علاقات متشابكة وتتداخل مع بعضها في ملفات حساسة ، كما حدث سابقا وسط أجهزة الأمن الخارجي بين الجيش والأمن ، وبين هيئة العمليات والدعم السريع ، وبين مسؤولي الملفات الخارجية المفوضين والتابعين للرئيس ووزارة الخارجية وما عرف لاحقا بالدبلوماسية الرئاسية ، تعامل النظام السابق بعقلية الدولة في فك الإشتباك بين هذه المستويات المتداخلة من السلطة ..
الآن وعلى خلفية تعامل الشرطة مع مسيرات يوم 20 فبراير أمام القصر وما أسفر عنه من إصابات وسط الشرطة والمتظاهرين أصدرت النيابة العامة بيانا شجبت فيه تصرف الشرطة وكذلك أتبعتها لجنة أطباء السودان ممثلة لتجمع المهنيين ببيان كما خرج رئيس الوزراء في وقت متأخر من ليل أمس الجمعة عبر مؤتمر صحفي يؤكد مسار من سبقوه في إدانة الشرطة معلنا عن لجنة تحقيق حول الحادثة ترفع تقريرها خلال أسبوع ..
معلوم أن النيابة العامة هي الممثل القانوني للدولة ، وجهاز الشرطة هو السلطة الذي تنفذ هذا القانون ، وأي إشتباك بين هذين الطرفين يكون الفصل فيه بين الجهتين اللتين تتبع لهما السلطتين الطبيعيتين (وزارة العدل / وزارة الداخلية) ، ومنذ تأسيس النيابة العامة في أواسط التسعينات كانت مهمتها فتح البلاغات والتحري فيها والظهور أمام القضاء في تولي الحق العام ، لكن حتى سقوط النظام كان معظم تلك المهام يباشرها جهاز الشرطة بالإضافة إلى سلطاته الأصلية في الضبط والتحريز والمهام التنفيذية الأخرى ..
لكن النيابة العامة في موقفها الحالي لا تعبر عن منطلقات قانونية تدعي حمايتها وإنما ما تفعله هو تملق واضح للشارع والقوى السياسية الحاكمة بالوقوف ضد جهاز الشرطة تبرئة لساحتها ، وقد ذكرت الشرطة في بيان لها أنها (ﻭﺑﺈﺷﺮﺍﻑ ﺍﻟﻨﻴﺎﺑﺔ ﻣﻴﺪﺍﻧﻴﺎ قامت بالتعامل مع المجموعات المتفلتة بإﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺸﻐﺐ ﻭﺇﻃﻼﻕ ﺍﻟﻐﺎﺯ ﺍﻟﻤﺴﻴﻞ ﻟﻠﺪﻣﻮﻉ) كما أكدت ﺃﻧﻬﺎ ﻟﻢ ﻭﻟﻦ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﺃﻱ ﺳﻼﺡ ﻧﺎﺭﻱ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺃﻱ ﻣﻮﺍﻃﻦ وفقا لتوجيهات ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﺻﺮﻳﺤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﻭﻳﺘﻢ ﺍﻻﻟﺘﺰﺍﻡ ﺑﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺻﺎﺭﻡ ، وأن ﻗﻮﺍﺕ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ ﻗﺪ ﻣﺎﺭﺳﺖ ﺳﻠﻄﺎﺗﻬﺎ ﻭﻭﺍﺟﺒﺎﺗﻬﺎ ﻭﻓﻖ ﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﻴﺪﺍﻧﻲ) ..
في السابق كان الإشتباك بين جهازي الشرطة والنيابة يحل بالرجوع لوزارتي العدل والداخلية اللتان تتبعان لنفس النظام الحاكم ، لكن الآن وفي وجود نظامين أحدهما مدني تتبع له النيابة العامة والآخر عسكري يتبع له جهاز الشرطة ، فإن الأمر أصبح أكثر تعقيدا ، لأنه من الوارد أن يستخدم أحد النظامين أو كلاهما أدوات القانون وسلطاته لأغراض سياسية ، فكما أنه من غير المقبول تجاوز جهاز الشرطة لصلاحياته المنصوص عليها في القانون بدافع الكيد السياسي ، فإنه
كذلك لا يجمل بالنيابة العامة التنصل من مسؤولياتها القانونية لكسب مواقف سياسية أو لتنفيذ مناورة تخدم الطرف الذي تمثله من السلطة ، وإذا حدث أي من التصرفين من أجنحة الحكم فلا يجب أن يتذرع أي منهما بأن هدفه السعي لتكريس دولة القانون وحكم المؤسسات ..
وبالعودة إلى السؤال الرئيسي من يكسب؟؟
فالمشهود عن الأجهزة العسكرية عدم الميل للقرارات المتسرعة وإمتصاص الصدمات لكن الأحداث التراكمية قد تنتج قرارا جمعيا يكون مفاده قلب الطاولة على الجميع ، لذا ستكسب النيابة العامة هذه الجولة وسيتحمل جهاز الشرطة الأخطاء الناجمة عن تنفيذه للقانون وربما تتم إقالة/إستقالة المدير العام للشرطة أو وزير الداخلية ، لكن لحسابات سياسية أيضا تخص الطرف المدني قد لا يحدث أي من ذلك ، فدائرة الرفض التي كانت مقتصرة على المكون العسكري في الحكم قد أتسعت لتشمل المدنيين أيضا ، وسيكونوا كذلك في حاجة لمن يحميهم من غضب الشارع (بتنفيذ نفس القانون) ، فما دامت الحسابات سياسية بحتة فكل خيار فيها وارد ..

Related posts