يوسف عمارة أبو سن يكتب ..التفويض والتكليف

التفويض السياسي هو إعارة المفوِّض إرادته السياسية لمفوَّض يرى أنه الأقدر على إستخدامها في ما يخدم مصالحه الكلية بدون تحديد مهام أو إطار لحدود التفويض ، أما التكليف فهو إعارة الصلاحيات المكتسبة عبر إرادة سياسية مستقلة لشخص أو جهة إعتبارية لممارسة مهام محددة ..
إن المساعي التي تقوم بها بعض مكونات المجتمع السوداني والرامية لتفويض القوات المسلحة لإستلام السلطة لا يصح أن يتم تسميتها بالمساعي الإنقلابية مهما كان درجة إختلافنا معها ، فالمخاوف من تفويض الجيش سببها إنعدام الثقة فيمن ندعوهم لإستلام السلطة ، والمخاوف من إتساع رقعة التفويض بما يتجاوز المأمول وهو فترة إنتقالية مستقرة يتم فيها التجهيز لإنتخابات مبكرة ، فنظرا لهشاشة وضع الشراكة بين العسكريين والمدنيين وسوء الوضع الإقتصادي وبطء تنفيذ عملية السلام والإصلاح السياسي ، فإن الوضع القائم سيزداد سوءا ولا حل إلا بالتغيير المفضي لإستقرار سياسي يتبعه إستقرار إقتصادي ..
لكن ليست كل الخيارات إنقلابية وليست كل الطرق تؤدي لخيار التفويض أو تكليف الجيش بإسقاط الوثيقة الدستورية وإنما هنالك خيار أن تعيد قوى الحرية والتغيير ترتيب أوراقها وأولوياتها بما يحافظ على الشراكة القائمة وبما يحفظ لتحالف قحت وضعه كحاضنة سياسية راشدة للحكومة الإنتقالية ، وهي ليست في حاجة للتجهيز للإنتخابات المقبلة ما لم تضمن كيفية العبور بالبلاد نحوها ، فالملفات التي تضطلع بها الحاضنة السياسية لرئيس الوزراء يجب أن تكون أعلى من مطامعها الذاتية والحزبية الضيقة ، لذلك عمل هذه الحاضنة يحتاج لمراجعة عميقة ، مراجعة كلية لمكونات قحت ومراجعة لكل مكون على حدة ، لأن ما يفسد العملية السياسية في السودان هو أن أطرافها شريكين يفتقدان للإتساق فلا يعقل أن تحارب شريكا في كل أنشطتك وعبر كوادرك لتأتي مساء وتجتمع معه ، ولا يعقل أن تقزم دور المؤسسة العسكرية في الحكم وهي شريك أصيل في التغيير ، فالمؤسسة العسكرية بدلا من أن تكون شريكا فعالا وإيجابيا فهي منشغلة بردم الفجوة وإصلاح القطيعة التي حدثت بينها ومكونات الشارع والتي يقف وراءها الشريك الحكومي (المعارض الموالي) لها ..

أغلبية مكونات الشارع ترفض الحكم العسكري وتتوجس من إستفراده بالسلطة خوفا من تكرار النموذج (السيساوي) والذي بدأ بإستمارة (تمرد) ثم شعار (فوضناك) ثم حملة (كمل جميلك) ليبقى عبد الفتاح السيسي فرعونا لمصر للأبد ، فكل هذه المخاوف ممكنة وهي ما تطلبه المحاور الخليجية والدولية ومستعدة لدعمه وحمايته ، لكن إذا أستمر التهريج السياسي الذي تمارسه قحت فلا مفر من اللجوء للجيش فهو ضامن العملية السياسية وحامي الممارسة الدستورية أو هكذا ينبغي له ، فالمحتمل أن يحدث إنفراج بين وكبير لكن الأكثر إحتمالا هو أن ندخل في معاناة جديدة بالسعي للتخلص من حكم الجيش ..

Related posts