يوسف عمارة أبو سن يكتب : الإستتباع الإستخباري بين السودان ومصر

الإستتباع الإستخباري بين السودان ومصر

يوسف عمارة أبوسن

منذ حرق اسماعيل باشا في شندي عام 1821م أختطت الأسرة العلوية الألبانية في مصر مسلكا لتكريس تبعية السودان لمصر ، بدأ هذا العمل بطموح الهيمنة على بلاد السودان (كمفهوم عام) لما فيها من عبيد وثروات وما تشكله من إمتداد للنفوذ المصري الفرعوني ، لكنه تقلص فيما بعد ليكتفي بالسودان الإنجليزي قبل وبعد إستقلاله ، حتى أن التنسيق بين حركات المقاومة ضد الإستعمار بين مصر والسودان كان يقوم على أن للحركة الوطنية المصرية فروع وإمتدادات لها في السودان ونشأت بذلك حركة الاخوان المسلمين فرع السودان التي تسودنت لاحقا تحت إسم الحركة الإسلامية السودانية والجبهة المعادية للإستعمار والتي تحولت للحزب الشيوعي السوداني ، لكن ظل حَواريي حسن البنا وحواريي هنري كوريل مسيطرين على الواقع السياسي السوداني حتى اليوم بين صناعة الفعل السياسي وردة الفعل ..
بعد ثورة الضباط الأحرار تم تعيين الصاغ صلاح سالم المولود بمدينة سنكات مسؤولا للشؤون السودانية بجهاز المخابرات العامة الذي كان يرأسه زكريا محي الدين ، قام صلاح سالم بأدوار كبيرة لتوحيد مصر والسودان وعندما فشل أكتفى بتوحيد شمال وجنوب السودان ، فظل السودان ملفا أمنيا بالنسبة لمصر منذ حقبة صلاح سالم حتي اليوم في حقبة اللواء عباس (باشا) كامل ..
فقد كانت كل الأحداث المفصلية ومن بينها الإنقلابات التي كانت المخابرات المصرية منسقا بين خلاياها العسكرية والتي بدأت بالضباط الأحرار (فرع السودان) من خريجي الكلية الحربية المصرية ثم القوميون والإشتراكيون العرب ذوي الجذور التنظيمية المصرية ثم إنقلاب الاخوان المسلمين (فرع السودان) ، ينطبق نفس الأمر على إنتخابات الديمقرايات الثلاث ، فقد كان المبنى الذي تدار منه عمليات المخابرات المصرية مواجها للجمعية التأسيسية فبالضرورة أن يكون كل من صعد منصته بحساب غالبية أصوات الناخبين كان برضا من المبنى المقابل حتى وإن كان حزبا شعاره (السودان للسودانيين) أو حزبا دعى للإتحاد مع مصر تحت تاج الملك فاروق التي مات منفيا بعد إنقلاب ناصر ومجموعته ، فكل التأثيرات اللاحقة والسابقة للإستقلال سواء كانت سلبية أو إيجابية كان إسم المخابرات العامة المصرية حاضرا فيها .

كان للمخابرات المصرية دور كبير في ترتيب الأوراق أثناء وبعد ثورة 19 ديسمبر 2018 ، ومن خلال سرد اللقاءات التي تمت بين مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل ومسؤولين كبار بالسودان يمكنك أن تكتشف أن جذور الهيبة المصرية في السودان ما زالت عميقة وممتدة ، ففي 26 أكتوبر 2018 وعلى هامش اجتماع عسكري للايقاد التقي الفريق عوض ابن عوف بالرئيس المصري السيسي ووزير دفاعه الفريق أول محمد زكي وعلى هامش الإجتماع أيضا التقى الفريق صلاح قوش بمدير المخابرات العامة عباس كامل ، وبعد أسبوع على انطلاق الإحتجاجات في 27 ديسمبر 2018 اللواء عباس كامل يزور الخرطوم ليلتقي البشير حاملا معه تصورا شاملا لقمع الإحتجاجات ومعلومات كافية عن من يقفون خلفها ، ثم في
21 يناير 2019 قوش يزور القاهرة ليطلع الإدارة المصرية على تغيير الخطة الموضوعة سلفا وإعتماد خطة جديدة بموافقة أمريكية وإماراتية ..
بعد سقوط النظام في أبريل 2019 تتغير الخطة مرة أخرى ليكون صلاح قوش خارجها ليحل محله الفريق حميدتي بدعم سعودي وأوروبي ، لتتأجل مساعي محور مصر والإمارات لاحقا ويسافر قوش للقاهرة ..
في 7 يونيو 2019 اللواء عباس كامل يزور الميرغني بمقر إقامته بالقاهرة ، وفي 18 سبتمبر 2019
قوش يلتقي الميرغني ، وفي الفترة نفسها يلتقي قوش بقيادات أهلية وحلفاء سابقين وسياسيين من النظام السابق برعاية المخابرات المصرية ، ليغادر القاهرة بعد إصدار وزارة الخارجية السودانية قرارا بإلغاء جوازاته الدبلوماسية يلحقه قرار آخر للنيابة العامة بالسعي لإسترداده عبر الانتربول بإعتباره متهما هاربا فيما دارت أخبار عن زيارة سرية قام بها للسودان خلال شهر ديسمبر 2019 ..
ثم في 9 مارس 2020 يلتقي عباس كامل بالفريق حميدتي في الخرطوم ، ويتكرر اللقاء بين الرجلين في القاهرة يوم 15 مارس 2020 لتتردد أخبار عن لقاء حميدتي بالفريق قوش بالقاهرة بتنسيق مصري ..
يبقى أن نكرر على أن ملف السودان لدى مصر هو ملف مخابراتي بإمتياز تتخلله قضايا معقدة كقضية المياه التي أربكها قرار الحكومة بإتخاذ موقف لا يتماشى مع صانع القرار المصري بخصوص سد النهضة ، وكذلك قضايا الإرهاب الدولي وملف الجماعات الإسلامية الذي يعتبر صلاح قوش عرابه الحقيقي ، ثم التصور الراسخ لدى صانع القرار السياسي السوداني بأن مفاتيح الغرب تبدأ من مصر والتصور الشعبي الموازي له بأن (مغاليق) السياسة الخارجية السودانية سببها وجود مصر ك (سمسار) دبلوماسي يسعى لضمان مصالحه أولا قبل (الجار الشقيق) ..

Related posts