يوسف عماره أبوسن يكتب : عرب تشاد .. صراع النفوذ وأجندة الجوار

في ظل الأوضاع الملتبسة في الجارة تشاد وما هو رائج من معلومات حول إهتزاز وضع الجنرال محمد كاكا إبن الرئيس ديبي ، والخلافات بين أخوته وكبار مساعدي والده وكاتمي أسراره ، فإن عرب تشاد يبحثون عن موطئ قدم في المعادلة السياسية المقبلة في تشاد .

ساعات ديبي الأخيرة كانت مليئة بالشك وفقدان الثقة فيمن حوله ، والطريقة التي قتل بها لا تخلو من الريبة ، فإما أن من حوله خانوه أو كانوا في ضعف لم يمكنهم من المواجهة ، هذا بالإضافة إلى الترتيبات التي تبعت إعلان وفاة الرئيس ، فلم تمض ست ساعات حتى أعلن إبنه رئيسا لمجلس عسكري مدته 18 شهرا بالإضافة لعدد من القادة العسكريين من عدة قبائل تشادية أغلبها من قبيلة الرئيس .

ادريس ديبي إتنو

ترتيبات مثل التي تمت لا تغيب عنها أيادي الخارج ، ودور فرنسا كعامل أول وأبرز ودور السودان وليبيا كعوامل ثانوية ، والجمهورية الفرنسية التي لا يضيرها من يحكم بقدر ما يهمها من يحمي مصالحها لن تسمح لتشكيل سياسي يرث حليفها القوي ويدها الحديدية ضد الإسلاميين في أفريقيا ، والسودان كقاعدة خلفية للإثنيتين الأوفر حظا في حكم تشاد (الزغاوة / العرب) ، وليبيا المفككة بتأثيرها المباشر على مجريات الميدان بتدفقات السلاح والمقاتلين بالإضافة لمعادلات حفتر التي توصف في أحيان كثيرة بعدم الإتزان .

محمد مهدي علي

الجنرال محمد مهدي علي قائد حركة الوفاق المعارضة FACT والذي هو متقدم الآن ميدانيا وتعبوياً لا يعني ذلك سطوة شروطه على الساحة حتى وهو من قتل رأس النظام في الجمهورية التشادية ، فهو إن وصل حتى القصر مثل محمد نور في 2008 فلن يضمن له ذلك حكم تشاد ما لم يراعي توازنات الداخل والخارج ، ومن هذه التوازنات جواز الدخول الفرنسي للقصر الوردي في إنجمينا ، وكذلك فاتورة الإستقرار من المكون العربي في تشاد .

يبقى للفريق محمد كاكا أن يسبق محمد مهدي بهاتين الموازنتين ، وقبلهما حسم الصراع الداخلي بينه وأسرة إتنو وأخوته متعددي الولاءات والأهواء ، ثم بعد ذلك يمكنه التركيز على تأمين الجبهة الداخلية وتطمين الجوار وإنتزاع دعمه ، ولا يأتي ذلك إلا عبر الدعم العربي الداخلي المرتبط بإمتدادات الجوار ، ومعادلة كهذه أجدر من يقوم بها الرجل القوي في المجلس العسكري الجديد ووزير الدفاع السابق ومدير مكتب ديبي الفريق بشارة عيسى جاد الله نائب رئيس المجلس الإنتقالي ، والذي ينتمي لقبيلة الرزيقات الماهرية وتربطه صلة دم بالفريق أول حميدتي وبحسب صحيفة لوموند الفرنسية فهما أبناء عمومه .

الفريق بشارة عيسى جاد الله

لكن غير الفريق بشارة هناك من يعمل في الظل من قادة عرب تشاد السياسيين ، يعملون في تناغم تام رغم أنهم متنازعون بين حرصهم على بقاء الرئيس الشاب وصناعة نفوذ عربي في ظل سطوة الزغاوة ، أو المغامرة مع محمد مهدي لخلق ندية سياسية وأمنية مع القرعان ، وبين هذين الخطين يعمل الفريق حسن صالح الجنيدي وزير الدولة بالدفاع السابق وزعيم حركة الوفاق الوطني التي وقعت إتفاق سلام مع ديبي في الخرطوم 2007 ، واللواء علي أحمد أغبش سفير تشاد بالكويت وشقيق المناضل أصيل أغبش أيقونة النضال التشادي بحركة فرولينا ، والشيخ ابن عمر سعيد نائب أصيل في المجلس الديمقراطي الثوري والمناضل المقرب من محمد مهدي وديبي ويحوز على رضا كثير من التشاديين .

الفريق حسن صالح الجنيدي

ومن البديهي جدا والواجب أن يعمل عرب تشاد لتعزيز نفوذهم السياسي مستمدين قوتهم من (عطاوة) السودان أولاد (جنيد ومجنود) ، وهذه ليست بدعة في الممارسة السياسية لا في السودان ولا تشاد فمثلما أن ديبي أستعان بحركات تمرد دارفور التي تنتمي للزغاوة لحسم معارضته الداخلية ، فإن من مصالح الأمن القومي السوداني فرض إستقرار دائم في الجارة تشاد لضمان إستقرار دارفور ، ومن قبل أسهم السودان في إسقاط حسين حبري القرعاني ليصعد ادريس ديبي مستمدا قوته من أبناء عمومته المتنفذين في تنظيم الحركة الإسلامية السودانية قبل إنشقاقه في 2000 لمؤتمرين وحركة مسلحة ، وقد كانت لهم تقديراتهم في ذلك الوقت ، والتي ربما ليس من بينها الأمن القومي للبلاد وإنما توفير حاضنة مستقبلية للحركة التي دخلت العاصمة السودانية في مايو 2008 بدعم كامل من تشاد ، ردا على دعم الحكومة السودانية لقوات الجنرال محمد نوري والقائد تيمان أرديمي والتي وصلت حتى القصر الرئاسي في إنجمينا في فبراير 2008 ليدحرها الطيران الفرنسي فيما بعد .

تيمان أرديمي

يبقى أن تقول أن دور السودان في معادلة السلطة في تشاد يجب أن يكون محوريا وفعالا لضمان إستقرار تشاد وأمن إقليم دارفور ، وكضرورة إستراتيجية يجب أن يؤسس السودان لنظام خالي من تنازعات القبائل ولا سبيل لتأسيس ذلك إلا عبر بناء قبلي يستوعب الجميع كل حسب وزنه ويراعي مصالح التشاديين ويحمي المنطقة من الإنفلات والإنزلاق ..

يوسف عمارة أبوسن

Related posts