عبد الله مكي يكتب: من المقاومة إلى التحرير… غزة بين الخذلان العربي والغطرسة الاسرائيلية (2-2)

(من الإرشيف : كُتب هذا المقال قبل 7 سنوات)

ما الذي يجول بخاطر سكان غزة؟

أجرت صحيفة (رأي اليوم) الالكترونية استطلاعاً مع سكان قطاع غزة لمعرفة ما يدور بخاطرهم بعد هذه المعارك الشديدة والحامية الوطيس، فكانت الحصيلة الآتية: السؤال الذي يتردد على ألسنة الغالبية الساحقة من أبناء قطاع غزة الذين يعيشون تحت القصف وتطاردهم القنابل الاسرائيلية من كل الاتجاهات هو: لماذا يعيش الاسرائيليون في أمن واستقرار ورخاء، بينما نعيش نحن في فقر وجوع وقصف واغلاق معابر وانقطاع كهرباء، ومياه ملوثة؟

يقول أبناء القطاع لمن يتصل بهم قلقاً مستفسراً عن أوضاعهم: اطمئن نحن بخير سنستشهد واقفين، أنتم الذين يجب أن تقلقوا لأنكم لا تعرفون (متعة) الصمود بشرف وكرامة ليس في وجه العدوان الاسرائيلي فقط، وانما في وجه هذه الانظمة العربية المتواطئة.

يؤكد أبناء القطاع أيضاً أنهم يعيشون حياتهم الطبيعية تحت القصف، يذهبون إلى محلاتهم التجارية، أو إلى البحر لصيد سمكة ضالة، أو إلى الحقل لجني بعض الثمار، وحصد بعض القمح والذرة، تعاني سنابله وأكوازه من فقر تربة، وعطش مزمن لماء شحيح.

عبد الباري عطوان رئيس التحرير يتصل بأحد ابناء قطاع غزة، فيقول له بلهجة (فلاحية) أصيلة – كما وصفها عطوان – إجابة عن سؤالي حول بيته الذي دمره صاروخ اسرائيلي قبل عدة أيام وساواه بالأرض: ” لا بأس سنعود إلى الخيام وسنفترش الأرض ونلتحف السماء، تماماً مثلما كان يفعل آباؤنا واجدادنا في أيام النكبة الأولى، الحجر يمكن العثور عليه، والبيت يمكن اعادة بناؤه، لكن المهم ان لا تنكسر الكرامة التي هي أعز لدينا من أرواحنا “.

ويصف الاستطلاع في خواتيمه أنّ أهل غزة: “يتحدثون إليك بتواضع الأقوياء ويقولون: أيهما افضل الموت البطيء ؟ أم الموت السريع؟، طالما أن الشهادة باتت حتمية؟ نعم لم تعد الطائرات أو الدبابات الاسرائيلية تخيفنا، ولم نعد ننتظر مساعدة من أحد، ولا نتطلع إلى شفقة أحد”.

لماذا تتكرر الحرب دائماً ؟

الحرب الدائرة الآن هي الحرب الثالثة على قطاع غزة في أقل من ست سنوات، وذلك في أعقاب عدد من التطورات السياسية على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، فهى حرب كما وصفها الكاتب الكبير دكتور ناجى صادق شراب، بأنها (حرب الإنسداد  السياسي) نسبة لعدم وجود تسوية للصراع (العربي الإسرائيلي) ومركزه (الفلسطيني الإسرائيلي) ويعكس فجوة واسعة من إنعدام الثقة، وغلبة الخيار العسكري والحرب والقوة علي خيار التسوية السياسة التي يبدو – كما يقول الكاتب صادق شراب: ” أنها تتلائم مع إسرائيل كدولة قوة، ومع المقاومة التي لا خيار لها إلا خيار المقاومة العسكرية، وتعكس عمق الأبعاد السيكولوجية بين الطرفين، والتي فشلت سنوات طويلة من المفاوضات والتسوية السياسية على جسرها “.

أسباب الحرب الأخيرة

فعلى المستوى الفلسطيني، تمثلت في فشل خيار التفاوض، وإستباحة إسرائيل للضفة والقدس، وقتل الطفل الفلسطيني أبوخضير، بطريقة تعكس عمق قيم الكراهية والثأر من جانب المستوطنين، إستمرار حالة التصعيد العسكري في غزة من إطلاق للصواريخ، ورد إسرائيلي جوي، وحالة من الحصار المستمر، واغلاق المعابر، واختلطت أهداف هذه الحرب بهدف رفع الحصار وفتح المعابر، وبين المطالبة بالإفراج عن الأسرى المحررين في أعقاب صفقة شاليط، والقادة الذين اعتقلتهم إسرائيل من قادة حماس خصوصاً في أعقاب عملية الخطف للمستوطنين الثلاث وقتلهم، وتوجيه الإتهام لحماس.

على المستوى الإسرائيلى

هناك أهداف غير معلنة لهذا العدوان، فقد جاء في ظل حكومة يمينية متشددة، سيطرت على عملية صنع القرار في إسرائيل، وسيطرة المستوطنين والرضوخ لمطالبهم، وفى أعقاب خطف المستوطنين الثلاث وقتلهم والفشل في العثور عليهم، ولذا كان لا بد من عملية عسكرية في اتجاه غزة للتغطية على هذا الفشل، والحقيقة أن الهدف من هذه الحرب يأتى في السياق العام للسياسة الإسرائيلية، وهى إن غزة تقع في قلب الدائرة ألأولى لأمن إسرائيل، وأنها بصواريخها تشكل تهديدا لأمنها وبقائها، وبالتالي لا بد من ضرب البنية التحتية لحركة حماس وغيرها، وفرض حالة من الردع الجديد الذى قد يضمن لسنوات طويلة وضعاً هادئاً على الحدود مع غزة، ويحول دون إطلاق الصواريخ من جديد.

لقد جاءت هذه الحرب ولأول مرة دون إعلان واضح لأهدافها من قبل إسرائيل، وبعد أيام من سيرها بدأت إسرائيل تتحدث عن أهداف مثل ضرب البنية التحتية لحركة حماس والمقاومة وضرب مراكز التخزين والإطلاق، والبنية ألإقتصادية المغذية لها، ومن الأهداف الأخرى لها ضرب اى محاولة للمصالحة الفلسطينية، ومن هنا جاء إسم هذه العملية التي قد أطلقت عليها إسرائيل إسم (الجرف الصامد) وهو إسم مقتبس من الكتاب المقدس، ويحمل معنى التطهير والصمود. وهو ما يؤكد لنا أن الذي يتحكم في القرار الإسرائيلي هو اليمين المتشدد الذي يحمل الكراهية لكل ما هو فلسطيني، والتخلص منه.

ويُمكن تلخيص أسباب الحرب في (إستمرار إسرائيل في سياسات التهويد والإستيطان والحصار. وقناعة البحث الدائم عن عدو قائم). كما يوضح الدكتور ناجي صادق شراب.

المبادرة المصرية

بعد بدء العمليات العسكرية في قطاع غزة بين حماس واسرائيل، ظهرت في الأفق ما عُرف بـ(المبادرة المصرية) لوقف القتال بين الطرفين، اسرائيل وافقت عليها فوراً، ودعت لوقف اطلاق النار، ولكن كانت المفاجئة هو رفض حركة حماس لها، باعتبارها تُلبي شروط اسرائيل، ولا تُلبي شروط الفلسطينيين.

فقد كشف تقرير نشرته صحيفة (هآريتس) الاسرائيلية، أنّ اسرائيل شاركت في صياغة المبادرة المصرية.

يقول وزير الخارجية المصري، سامح شكري إن بلاده لا تزال تنتظر موقفاً إيجابيا من الفصائل الفلسطينية تجاه المبادرة المصرية لحل الأزمة في غزة وإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يعمل على جذب بقية الفصائل لقبولها واحترام شروطها.

وأكد شكري في مقابلة مع (بي بي سي) أن المبادرة طرحت بعد سلسلة من المشاورات العميقة مع كافة الأطراف، وأن مصر ” لم تكن لتصل لصياغة المبادرة إذا لم تكن تتشاور مع جميع الأطراف “.

وأوضح أن المبادرة تتضمن مادة واضحة تتعلق بفتح المعابر، مشيراً إلى أن معبر رفح يفتح بشكل منتظم على مدار السنة، وأن التركيز يجب أن يكون على المعابر الإسرائيلية المغلقة بصفة دائمة.

وعن توقيت طرح المبادرة، قال شكري إنها جاءت في وقت كانت إسرائيل تلوح فيه بعملية برية، وإن مصر طرحت المبادرة ” لدرء احتمالات التدخل البري الذي كان سيترتب عليه أضعاف (عدد) الضحايا الذين قتلوا “.

ومع بدء العملية البرية أمس، يكون الأوان قد فات، فقد بلغت حصيلة الشهداء أكثر من 333 شهيداً، والجرحى أكثر من 2930 جريحاً، ولم تسمح السلطات المصرية إلا بعبور 15 جريحاً فقط عبر(معبر رفح) الحدودي، وهم الذين يحملون الجوازات الاجنبية، ولم يُسمح لحاملي الجوازات الفلسطينية بالعبور حسب BBC العربية.

وأشار وزير الخارجية المصري إلى أن مصر ليست طرفاً في أي منافسة حول جهود الوساطة بين أطراف الأزمة وأن اتصال مصر بالقضية الفلسطينية والتضحيات التي قدمتها من أجل الشعب الفلسطيني يجعل المنافسة غير واردة.

وألمح الوزير المصري لـ(بي بي سي) أن هناك مجالا لتعديل المبادرة المطروحة.

شروط المقاومة العشرة

بعد يوم واحد من فشل جهود مصر ومبادرتها، التي اعتبرتها الفصائل لا تُلبي شيئاً من مطالبها، تم الحصول على تسريب نشرته الصحافة في إسرائيل عن مقترحات لحماس والجهاد للقبول بالتهدئة جاء في عشر نقاط. وأرسلت مطالب الفصيلين للمسؤولين المصريين، حسب ما ذكرت صحيفة (معاريف) الإسرائيلية لدراستها وأخذها بالاعتبار في المرحلة المقبلة.

وتشمل النقاط الوصول إلى تهدئة تدوم لعشرة سنوات مقابل الشروط التالية:

1- انسحاب الدبابات العسكرية الاسرائيلية عن الشريط الحدودي مع قطاع غزة لمسافة تسمح للمزارعين الفلسطينيين العمل بحرية في اراضيهم المحاذية للشريط الحدودي.

2- الافراج عن كافة المعتقلين الذين اعتقلتهم اسرائيل بعد عملية خطف وقتل المستوطنين الثلاثة بما فيهم كافة محرري صفقة شاليط، وكذلك تخفيف الاجراءات ضد كافة الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية بما فيهم أسرى القدس ومناطق عام 48.

3- رفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر الحدودية التجارية ومعابر المواطنين، والسماح بدخول كافة مواد البناء والمواد المطلوبة لتشغيل محطة كهرباء قطاع غزة.

4- فتح ميناء ومطار دولي في قطاع غزة تحت ادارة ورقابة الأمم المتحدة.

5- زيادة المساحة المسموح بها للصيد في قطاع غزة، بحيث يصبح مسموحا للصيادين الوصول الى مسافة 10 كيلو متر، والسماح لهم باستخدام سفن صيد كبيرة ما يسمح لهم بصيد كميات كبيرة من الاسماك.

6- تحويل معبر رفح لمعبر دولي تحت رقابة دولية ومن بعض الدول العربية الصديقة.

7- وقف اطلاق النار والتزام الفصائل الفلسطينية بذلك لمدة 10 سنوات على اساس وجود مراقبين دوليين على الحدود مع اسرائيل وفي نفس الوقت توقف تحليق الطائرات الاسرائيلية في سماء قطاع غزة.

8- السماح لسكان قطاع غزة بالصلاة في المسجد الاقصى ومنحهم التصاريح اللازمة لدخول القدس من قبل اسرائيل.

9- يمنع على اسرائيل التدخل في الشأن السياسي الداخلي والعملية السياسية التي بدأت في اتفاقية المصالحة وما سيتبعها من انتخابات للبرلمان والرئاسة.

10- اعادة انشاء المناطق الصناعية في قطاع غزة وتعزيز التنمية.

كيف ستقف الأنظمة العربية؟

الانظمة العربية موقفها واضح وضوح الشمس، فهي لم ولا تُريد أن تتحرك أي حركة يُمكن أن تُفقدها (كراسي السلطة)، أو تُعرضها لقصف أو اجتياح، وحتى نكون علميين – كما يُطالب البعض – فهذا نموذج لتصويت عبر النت، فقد استبعدت أغلبية المشاركين في تصويت طرحه موقع (الجزيرة نت) واستمر أربعة أيام، اتخاذ موقف عربي رادع تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر حتى الآن.

ولقي التصويت الذي نشر يوم 9 يوليو الجاري واستمر حتى الـ12 منه، تفاعلا كبيرا إذ شارك فيه أكثر من 23.6 ألف مصوت.

 وأجاب 96.9% من المصوتين (22866) بـ” لا ” عن السؤال الذي طرحه التصويت ” هل تتوقع موقفا عربيا رادعا تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة ؟ “، في حين أجاب 3.1% (734 مصوتا) بـ” نعم “.

أين الشعوب العربية؟

إذا كان هذا هو موقف الأنظمة العربية، والذي يعلمه الجميع، وانهم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً، ولا حتى أضعف الايمان (الشجب والادانة) وصدق فيهم قول الشاعر نذار قباني (لو أنّهم في ربع قرن حرروا ليمونة أو زيتونة) لانتظر الناس منها شيئاً.

يقول الكاتب عبد الوهاب الافندي:” إن أفضل العرب اليوم هو من يصفق لفريق حماس في غزة، بعد أن يفرغ بالطبع من التصفيق لفريقه المفضل في مونديال البرازيل، قبل أن يقبل على مائدته الشهية، ويلتفت إلى ما تحتاجه أسرته من أسباب الترف. وقد يتبرع ببضعة دراهم لمنظمة إغاثة حتى يتخلص من وخز الضمير “.

ولكن بالمقابل هناك فئة أخرى: “يعبرون عن الشماتة في تهور حماس، ويتمنون لها هزيمة سريعة وزوالاً كاملاً، حتى لا تؤرقهم مرة أخرى صورايخ نتنياهو وتصرفهم عما اعتادوا من حياة الدعة والترف”.

ويلخص الافندي التوجه العربي العام بقوله: “ولكن ما يستوقف المرء قبل وبعد ذلك، هو التوجه العربي العام، عند الأنظمة والشعوب معاً، إلى تكليف أضعف المستضعفين الدفاع عن شرف الأمة ومقدساتها، في حين ينصرف البقية إلى اللهو والتجارة وغيرها من متع الحياة الدنيا”.

كيف يكون المستقبل؟

هذا هو حال أنظمتنا وجيوشنا العربية، وهذا هو حال شعوبنا كذلك، فكيف نصنع المستقبل؟ وكيف ننتقل من المقاومة إلى التحرير؟ فالبداية من أنفسنا حيث لابد من صنع واعداد أنفس تُحب الموت وتكره الدنيا، ليس بالمعنى الصوفي السالب، ولكن بالمعنى الثوري الموجب كما يري د.التجاني عبد القادر، ومن ثم تغيير أوضاعنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن ثم تغيير الانظمة الضعيفة والعميلة والتابعة لاستراتيجية العدو الاسرائيلي، وكل هذه الرؤى والأفكار تتم عبر وضع استراتيجية مدروسة، وتقوم عليها (قيادة ربانية واعية، من رحم الليل لا من زحمة النهار)، كما يقول الشهيد الفاتح حمزة، وشعوب ومجتمعات تعشق الحرية والعزة والكرامة الانسانية.

وتظل غزة والقدس وفلسطين هي الشمعة التي تحترق لتُضيئ للآخرين الطريق، حتى نُصلي جميعاً في (أولي القبلتين وثالث الحرمين) كما كان يُردد دائماً القائد ياسر عرفات، أبوعمار.    

Related posts