عبد الله مكي  يكتب : من المقاومة إلى التحرير.. غزة بين الخذلان العربي والغطرسة الاسرائيلية (1-2)

(من الإرشيف: كُتب هذا المقال قبل 7 سنوات)

“أن تنطلق صفارات الانذار في (القدس المحتلة) بعد (ديمونا) و(حيفا) ويهرع ملايين المستوطنين الى الملاجيء والذعر على وجوههم بفعل صواريخ المقاومة فهذا وصمة عار للجيوش العربية وجنرالاتها جميعاً، ولا مكان للصمت أو التعقل”.

هكذا كتب عبد الباري عطوان بعد أيام من المعارك بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية في صحيفة (رأي اليوم).

وهكذا يتطلع كل العالم العربي والإسلامي لانتصارات – ولو جزئية صغيرة – تتمثل في وقوع صاروخ أو أكثر في أراضي العدو الاسرائيلي – حتى دون أن تُصيب أحداً منهم – مما يُؤكد عجز الأنظمة العربية وجيوشها – والتي أصبحت للعروض والإحتفالات والمهرجانات كما قال أحد الكتاب – من أن تُحقق أي نصر ولو كان شكلياً.

فما الذي أصاب هذه الانظمة؟ والأدهى والأمر ما الذي أصاب الشعوب والجماهير؟ والتي عجزت عن النصرة حتى بأضعف الإيمان (الهتاف والتظاهر)، ويُمكن لنا وبكل قوة أن نهتف ونتسآءل كما قالت جوليا بطرس ورفيقاتها (الشعب العربي وين؟ وين الملايين)؟

فمنذ حرب 1948 و1967 مروراً باقتحام جنوب لبنان على يد مجرم الحرب شارون، وقبلهما مذابح (صبرا وشاتيلا)، ثم غزو العراق وافغانستان، ثم الصومال ومالي، ظلت الأمة والعربية والاسلامية مستباحة الدم والأرض والعرض، ومنذ انتصار الجيش المصري في رمضان 1973، لم تُفلح الجيوش العربية في تحقيق أي نصر على الارض، ولم تُفلح دولنا في تحقيق أي نصر سياسي أو ديبلوماسي أو حتى اقتصادي باستعمال سلاح النفط مثلاً كما فعل الملك فيصل.

بل ظلت المقاومة حكراً على المجموعات والجماعات والأحزاب. وأبرز منطقة تُمثّل قصب السبق ورأس الرمح هي قطاع غزة، فما هو حجمه ومساحته وسكانه وشكل الحياة فيه؟ ولماذا يتم استهدافه؟ وماهو أثر المعارك فيه وما هو مستقبل المقاومة؟ ومتى تستيقظ الحكومات والجيوش والشعوب؟

الحياة في قطاع غزة

يعيش نحو 1.7 مليون شخص في قطاع غزة الذي يمتد طوله إلى 40 كيلومتراً وعرضه إلى عشرة كيلومترات، وهو القطاع الذي يحيط به البحر المتوسط وإسرائيل ومصر.

في بادئ الأمر خضع قطاع غزة لسيطرة مصر، التي تتحكم في الحدود الجنوبية له، لكن إسرائيل احتلته خلال حرب 1967.

في عام 2005 سحبت إسرائيل قواتها من القطاع بالإضافة إلى نحو (7000 مستوطن).

وبعد مرورعام، فازت حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية، وسيطرت على قطاع غزة منذعام 2007 وحتى الآن، في أعقاب اشتباكات عنيفة مع حركة فتح المنافسة لها والتي ينتمي إليها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

وحينما سيطرت حماس على قطاع غزة، فرضت إسرائيل حصاراً سريعاً على القطاع، ووضعت قيوداً على حركة البضائع والأشخاص من وإلى القطاع. ومن جهة أخرى، فرضت مصر حصاراً من الحدود الجنوبية له.

حرية الحركة

وفرضت المزيد من القيود بشكل كبيرعلى حرية الحركة والدخول إلى غزة، التي كانت مقيدة بالفعل، بعد منتصف عام 2013 حينما فرضت مصر قيوداً جديدة على معبر رفح البري وأطلقت حملة ضد شبكة أنفاق التهريب على الحدود بين مصر وغزة.

وفي النصف الأول من عام 2013، كان يعبر (40 ألف شخص) كل شهر معبر رفح، وبدءاً من شهر يوليو وحتى ديسمبر من نفس العام انخفضت الحركة عبر المعبر بشكل كبير إلى نحو (9550 شخص) كل شهر.

وفي السنوات الأخيرة، أصبحت رفح نقطة الدخول والخروج الرئيسي من وإلى غزة للفلسطينيين نتيجة القيود التي تفرضها إسرائيل على معبر إريز في الشمال.

لكن انتشرت أنفاق التهريب بعد تضييق الحصار على غزة، وكانت تستخدم لاستيراد مواد البناء والماشية والوقود والغذاء بالإضافة إلى الأموال والأسلحة.

وأسفر تخفيف الحصار في يونيو 2010 عن انخفاض عدد الأنفاق من نحو عشرة آلاف إلى ما يترواح بين (200 إلى 300 نفق). وكان المهربون يركزون على نقل مواد البناء للقطاع الخاص والوقود الذي يتم شراؤه من مصر بثمن أرخص من إسرائيل.

وبدأت الحملة ضد الأنفاق في يونيو 2013، وهو ما أدى إلى توقف شبه كامل لأنشطة التهريب وتسبب في نقص مواد البناء والوقود وارتفاع في أسعار الغذاء.

الاقتصاد

أوضاع سكان غزة في المتوسط أسوأ حالاً مما كانت عليه في التسعينيات من القرن الماضي، ويعاني 21% منهم من فقر شديد، ويعيشون على أقل من 534 دولار في الشهر، مقارنة بـ 7.8%في الضفة الغربية.

ويبلغ معدل البطالة في القطاع 40.8%، وهو أعلى بكثير من الضفة الغربية. والأمر المثير للقلق بشكل خاص هو ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، والتي تصل إلى أكثر من 50% في القطاع.

ووفقا لتقديرات وزارة الاقتصاد التي تديرها حماس، فإن الحملة على أنفاق التهريب كلفت اقتصاد غزة 460 مليون دولار في عام 2013، وأدى التراجع في إيرادات جمع الضرائب على البضائع المهربة إلى تأجيل دفع الرواتب لموظفي القطاع البالغ عددهم 50 ألف شخص.

وأدى النقص الحاد في مواد البناء إلى زيادة الأسعار وتباطؤ حاد في قطاع البناء، الذي يعمل به نحو 10%من قوة العمل. وبسبب النقص في الوقود، انقطع الدخل عن الآلاف من العمال الذين يعملون في قطاع النقل والصيد والزراعة.

التعليم

ويعاني نظام التعليم في قطاع غزة من ضغوط كبيرة، وتقول الأمم المتحدة، والتي تدير العديد من المدارس في القطاع، إن هناك حاجة لبناء 440 مدرسة إضافية بحلول عام 2020 لاستيعاب الزيادة المتوقعة في عدد السكان.

ويتلقى نحو 463 ألفا و600 تلميذ التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية، ولتعويض النقص في المنشآت التعليمية، فإن 67% من المدارس الحكومية  و71% من المدارس التي تديرها الأمم المتحدة تعمل على فترتين، وهو ما يؤدي إلى تقليص ساعات التدريس. وتكتظ الفصول أيضاً بأعداد كبيرة، ويتراوح عدد التلاميذ في كل فصل ما بين (40 إلى 50) تلميذاً.

وأدى هذا إلى انخفاض أيام الدراسة وانخفاض أعداد المنتسبين في النظام الثانوي. وتراجعت فرص التدريب المهني بشدة أيضا. وبالرغم من ذلك، فإن الأرقام الرسمية تشير إلى ارتفاع معدلات من يجيدون القراءة والكتابة لتصل إلى 93% للرجال و98% للنساء.

وتوجد 13 مدرسة في مناطق قريبة من جدار الفصل بين غزة وإسرائيل، والذي يشهد في كثير من الأحيان اشتباكات بين القوات الإسرائيلية والمسلحين الفلسطينيين.

السكان

من المتوقع أن تزيد أعداد سكان غزة إلى 2.13 مليون نسمة بنهاية العقد الحالي.

وهذا سيؤدي أيضاً إلى زيادة في الكثافة السكانية، والتي تمثل بالفعل واحدة من بين الأعلى في العالم. وفي المتوسط يعيش نحو 4,505 أشخاص على كل كيلومتر مربع في غزة، وهذا من المتوقع أن يزيد إلى 5,835 أشخاص لكل كيلومتر مربع بحلول عام 2020.

وتقول الأمم المتحدة إن هناك نقصاً بنحو 70 ألف وحدة سكنية بسبب النمو الطبيعي للسكان، علاوة على الأضرار التي نجمت عن الهجوم البري الذي شنته إسرائيل خلال الفترة بين ديسمبر عام2008 ويناير عام2009، ولا يزال هناك نحو12 ألف مشرد بعد أن دمرت منازلهم في هذا الهجوم.

وترتفع بشكل خاص نسبة الشباب من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما إلى إجمالي من تتجاوز أعمارهم 25 عاما، إذ تصل إلى 53%، وهذا يؤدي إلى ارتفاع معدلات التبعية.

وإذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية فسيكون هناك عدد وفير من الشباب في سن العمل، لكن إذا لم يحدث ذلك، فهناك إمكانية حدوث توتر اجتماعي وأعمال عنف وتطرف، بحسب الأمم المتحدة.

الوضع الصحي

وتقول الأمم المتحدة إن المؤشرات الصحية في غزة يمكن مقارنتها بالبلدان ذات الدخل المتوسط أو المرتفع، فإنه ينبغي تعزيز جودة الخدمات الصحية. وتشير المنظمة الدولية إلى أن معظم المنشآت الصحية غير قادرة على توفير الرعاية الكافية، وتحتاج إلى تطوير.

وتراجعت فرص الحصول على خدمات الصحة العامة نتيجة الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية في منتصف عام 2013، وفقاً للأمم المتحدة.

وأدى إغلاق معبر رفح إلى تراجع عدد المرضى الذين ينتقلون إلى مصر للحصول على العلاج من 4,146 في المتوسط شهرياً إلى 305 أشخاص، مع السماح فقط للأشخاص أصحاب الحالات الحرجة بالدخول، وعرقل ذلك أيضا إمدادات الأدوية المهمة.

وكانت وزارة الصحة في قطاع غزة تعتمد على مصر سابقا في علاج 20% من المرضى الذين تتطلب حالاتهم علاجا في الخارج و25% من إمداداتها من الأدوية.

ومنذ عام 2008، زادت إسرائيل من عدد الحالات الصحية التي يسمح لها بالدخول من غزة لتلقي العلاج.

وأدى إغلاق مصر لأنفاق التهريب إلى نقص حاد في الوقود والكهرباء مما عرقل عمل المنشآت الطبية. وتسبب الانقطاع المستمر للكهرباء ولفترات طويلة في ضغوط كبيرة على مصادر الطاقة الاحتياطية في المستشفيات، وهو ما أثر على المعدات الطبية وأدى إلى تعليق وتأجيل العلاج.

الغذاء

وزاد انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة من 44% إلى 57% بين عامي 2012 و2013. ويتلقى 80% من سكان غزة مساعدات غذائية، إذ أن القليل منهم يملكون أموالا كافية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وتزيد القيود الإسرائيلية على دخول الأراضي الزراعية وأنشطة الصيد من التحديات التي يواجهها سكان القطاع.

لا يسمح لمواطني غزة بممارسة الزراعة في المنطقة العازلة التي أعلنتها إسرائيل، والتي يصل اتساعها إلى 1.5 كيلومتر على جانب الحدود مع غزة، وأدى ذلك إلى فقدان إنتاجية ما يقدر بـ(75 ألف طن) من المحاصيل سنوياً. وغطت منطقة الحظر ما ينظر إليها باعتبارها أفضل أراضي قابلة للزراعة في غزة.

وبعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2012 بين إسرائيل وحماس، جرى توسيع حدود الصيد من ثلاثة أميال إلى ستة أميال. لكن جرى خفض ذلك بصورة دورية إلى ثلاثة أميال رداً على إطلاق صواريخ من قطاع غزة. وتفتح قوات البحرية الإسرائيلية بشكل متكرر النار باتجاه قوارب الصيد الفلسطينية التي تتجاوز المساحة المسموح بها. وتقول الأمم المتحدة إنه إذا تم رفع هذا الحظر، فإن نشاط الصيد قد يوفر وظائف ومصدر بروتين أرخص ثمناً لسكان غزة.

الطاقة

تعاني غزة من انقطاع الكهرباء بصورة يومية. ويحصل القطاع على معظم الطاقة من إسرائيل بالإضافة إلى مساهمات إضافية من محطة الطاقة الوحيدة في غزة، وكمية بسيطة من مصر. لكن هذا أيضاً لا يلبي الاحتياجات الحالية. ويسبب انقطاع الكهرباء شللاً في جميع مناحي الحياة في غزة.

ويوجد في العديد من المنازل مولدات خاصة بها، لكن الوقود غالي الثمن لشرائه.

وأثر نقص الوقود جراء الحملة المصرية على أنفاق التهريب على إنتاج الكهرباء في محطة كهرباء غزة، والتي أصبحت تعتمد على الديزل المصري.

وبعد استنفاد مخزونها، اضطرت السلطات لإغلاق المحطة لمدة 43 يوماً في أواخر عام 2013، وهو ما أدى إلى انقطاع الكهرباء لفترات طويلة وعرقل بشكل كبير من توفير الخدمات الأساسية من بينها الصحة وخدمات المياه والصرف الصحي. واستأنفت المحطة عملها بعد أن اشترت السلطة الفلسطينية وقوداً من إسرائيل بأموال تبرعت بها قطر، وتراجعت فترات الانقطاع في الكهرباء في مارس 2014.

وقبالة البحر يوجد حقل غاز تقول الأمم المتحدة إنه قد يوفر احتياجات القطاع من الطاقة، إذا تم تطويره. ويمكن الاستفادة من أي فائض في جهود التنمية.

المياه والصرف الصحي

لا تسقط أمطار كثيرة على قطاع غزة، ولا يوجد مصدر رئيسي للمياه العذبة لسد النقص في إمدادات المياه الجوفية، والتي لا تكفي لتلبية الطلب.

وتسربت الأملاح من البحر إلى المياه الجوفية، وهو ما رفع نسبة الملوحة بصورة تتجاوز المستويات المسموح بها لمياه الشرب. ولا تلبي سوى 5.5% من المياه المنقولة بالأنابيب معايير الجودة لمنظمة الصحة العالمية، واضطر نحو 340 ألف شخص في القطاع إلى استهلاك مياه الشرب بجودة غير مقبولة في عام 2013، وفقا للأمم المتحدة.

وتمثل معالجة مياه الفضلات والصرف الصحي معضلة أخرى. ويعتمد قطاع غزة على محطات المعالجة التي تعمل بصورة تفوق طاقتها أو أنها بنيت كمنشآت مؤقتة لمعالجة المياه. ونتيجة لذلك، فإن نحو 90 مليون لتر من مياه الصرف غير المعالج أو المعالج جزئيا تضخ إلى البحر المتوسط يومياً، وهو ما يسبب التلوث ومخاطر الصحة العامة ومشاكل لصناعة الصيد.

وأدى إغلاق محطة الطاقة في غزة في نوفمبر 2013 بسبب نقص الوقود وعدم قدرة شركات تشغيل محطات معالجة مياه الصرف على تشغيل مولداتها بصورة متواصلة إلى تسرب مياه الصرف إلى نظام تصريف مياه الأمطار وامتلاء محطات الصرف عن آخرها.

وحينما ضربت العاصفة الشتوية “اليكسا” الشهر التالي، لتغمر مياه الأمطار نظام تصريف مياه الأمطار، غمر مناطق كاملة في أنحاء غزة مزيج من مياه الصرف ومياه الأمطار، وهو ما أثار مخاوف على الصحة العامة.

ونواصل

Related posts