د. عبد الماجد عبد القادر .. مواجهة مافيا الصمغ العربى وجها لوجه !

احمد عبدالله التوم.

فى مقالى السابق عن الراحل العزيز الدكتور عبد الماجد عبد القادر ، كنت قد ذكرت اننى سأتحدث عن المافيا الدولية المحتكرة للصمغ العربى والتى كشف اسرارها د. عبد الماجد فى كتابه ” الصمغ العربى صراع بلا حدود ” . وقبل ان أخوض فى اوحال المافيا ، اود ان اذكر معلومة مهمة سقطت من « جرابى » فى أثناء حديثي عن ” امجاد عبد الماجد ” ونسيت ان اقول ان د. عبد الماجد عندما كان مديرا لشركة الخرطوم لتصنيع الصمغ العربى ، اطلع على دراسة أعدها مجموعة من الباحثين فى فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية ، ذكروا فيها ان الصمغ العربى بامكانه معالجة الفشل الكلوي ، وقام د. عبد الماجد باخذ الدراسة وعرضها على المرحومة الدكتورة سلمى سليمان مديرة مركز الخرطوم لغسيل الكلى ، والدكتور يوسف عبد الرحيم والدكتور حمدوك بنفس المركز، للنظر فى إمكانية إجراء تجارب مماثلة على مرضى الفشل الكلوي بالمركز ، وأضاف د. عبد الماجد : اتخذنا قرارا فى الشركة بان نتكفل بدفع التكاليف الابتدائية للدراسة وامدادهم ببدرة الصمغ العربى النقى ، وقمنا بإنشاء صيدلية باسم الشركة ، وقد تم بالفعل اجراء التجربة وطبقت على مجموعة من المرضى بالمركز ، ولاحقا قامت صيدلية الشركة بامداد الصمغ لكل الراغبين من المرضى الأخرس، وقد لوحظ الاثر الإيجابي على المرضى والنتائج الجيدة التى حققها البحث ، وفى الاطار قام الدكتور عبد الماجد بتقديم ورقة عمل مطولة عن هذا الاكتشاف والتطبيق السوداني بمدينة لندن عند الاحتفال بمعرض الأغذية العالمى فى نوفمبر من عام 2001 ، وقال د. عبد الماجد : ولسوء الحظ فقد توقف البحث بعد استشهاد الدكتورة سلمى سليمان مديرة مركز الخرطوم لغسيل الكلى بسبب غرق احدى البواخر النيلية عندما كانت مجموعة البحث تحتفل باحد افرادها ، كما استشهد الدكتور يوسف عبد الرحيم وعدد اخر من مجموعة البحث ولم اتمكن بمفردي مواصلة هذا البحث القيم . ومع ذلك فقد صار شائعا فى السودان ان الصمغ العربى يساعد على معالجة مرض الفشل الكلوي ، وأصبحت هذه المعلومات متداولة مع معلومات اخرى مفيدة بسبب الاستخدام الإيجابي للاعلام الذى نجح د . عبد الماجد فى نشر ثقافة الصمغ العربى عبره . تصنيع الصمغ العربى محليا ثم تصديره كانت ” الطعم ” الذي جعل مافيا الصمغ العربى تطل براسها ، ويقول د. عبد الماجد : تتمثل مشاكل تصنيع الصمغ العربى فى السودان فى عدة اذ بدأت الصناعة الحقيقية للصمغ العربى فى السودان بانتاج البدرة الميكانيكية التى انتجها الدكتور عصام صديق المهندس الكيميائي والمالك لشركة الهشاب الدولية التى دعمت التجارب خلال الفترة من 1991 _ 1992 وقامت باول تصنيع موثق لهذه العينة ، ومن ثم تحصلت الشركة على الموافقة المبدئية لتصدير هذه النوعية لتحدث اول اختراق وكسر للاحتكار المضروب على هذه السلعة بواسطة شركة الصمغ العربى ، وقد اتهمت الشركة بانها تحاول ان تتحايل على تصدير الصمغ و تدخل فى هذا المجال عن طريق التصنيع ، ويمكن ان نقول ان الصراع والتنافس الحاد قد لازم هذه التجربة منذ بدايتها فى عام 1991 . اما المشكلة الثانية هى الاحتكار الدولي المضروب على تجارة الصمغ ، والذى يتمثل فى ان هناك خمس او ست شركات هى التى تقوم باستيراد هذه السلعة وإعادة تصنيعها وتوزيعها على المستهلكين النهائيين فى كل دول العالم . وهذا الاحتكار الدولي ادى إلى مقاومة تجربة التصنيع بالسودان عن طريق الاحجام عن الشراء من الشركات التى أنشئت خصيصا لتصنيع الصمغ العربى مثل شركة الخرطوم التى باشرت اعمالها فى عام 1993 لتجد نفسها انها تعمل فى بحر من الصراعات والنزاعات الداخلية والخارجية . وحتى شركات التصنيع التى قامت بعد شركة الخرطوم كتب عليها ان تجد نفس المقاومة من أعضاء الكارتيل cartel المكون للمجموعة الاحتكارية . وشركات الكارتيل الذي احتكر شراء الصمغ العربى لسنوات طويلة له جذور تمتد فى عمق التاريخ لهذه التجارة ، فاحدى هذه الشركات عمل مؤسسوها الأوائل منذ القرن التاسع عشر قبل المهدية ، عملوا فى هذه التجارة وجاء احفادهم للبلاد الذين نشطوا فى تأسيس شبكة من من الوكلاء والمتعاملين المحليين فى الأسواق المشهورة بالبلاد مثل الابيض والقضارف ، ولعل هذه المجموعة هى التي أطلقت اسم الصمغ الكردفانى بديلا لاسم الصمغ العربى . والواضح ان الشركات الأساسية التى كان عددها فى حدود خمس شركات وارتفع الان الى حوالى ثمانية تمثل كلها اعمالا لاسر عريقة فى مجال تجارة الصمغ مما جعل وجودها واستمراريتها مربوطا باستمرارية هذه الاسر ، وحمل ابناؤها من بعد راية التعامل فى هذه السلعة ، وفى ذات الوقت عتموا عليها اعلاميا وقاوموا اى اتجاهات ترمى إلى توسيع دائرة تسويقها او الخروج بها الى افاق ارحب . تلك الشركات جعلت من أوروبا والدول الغربية موقعا وسطا لانتشارها وتنشيط اعمال تصنيع الصمغ العربى فيها ومن ثم اعادة توزيع هذه السلعة (ّ بالقطارة ) الى المستهلكين البهائيين عبر شبكة من الوكلاء المنتشرين فى الأقطار الأوروبية وأمريكا ودول شرق اسيا . ومن المعلومات المهمة جدا والتى كشف عنها دكتور عبد الماجد فى هذا الاطار ، ان الصمغ العربى عندما يصل الى مرحلة التصنيع فى مصانع الكارتيل فى فرنسا والمانيا وإنجلترا فإنه يتحول الى سلعة كيميائية جديدة تسمى E 414 وبالتالي يفقد اسمه القديم (ّ الصمغ العربى) ليكون مادة مضافة للأغذية food additive تباع فى عبوات مختلفة ، فمنها ما يتم توريده فى شكله السائب بالاطنان وبعضها يباع فى عبوات زجاجية او حديدية ، وعلى كل حال فانه يفقد الصفة الملازمة له كمادة خام ذات اهمية غذائية . وقال د. عبد الماجد : لاحظنا فى عقد التسعينيات عندنا هنا فى السودان ان احدى الشركات التى تقوم بتصنيع المشروبات استوردت عبوات فى جوالات زنة 25 كجم وتحمل العبوة الاسم التجاري emulsifier E414 وقد فاجناهم بان هذه السلعة التى يستوردون الطن الواحد منها بما يعادل اثنى عشر الف دولار هى الصمغ العربى الذي لا يزيد سعر الطن منه محليا عن الف دولار فقط لا غير ! ومن المشاكل التى واجهت تصنيع الصمغ فى السودان ان مجموعة الخمس استطاعت ان تقوم بتشكيل جسم نقابى او لوبى يجمع ما بين المصنعين وكبار المستهلكين ، وحاولوا استصحاب الشركات الممثلة فى البلاد المنتجة للصمغ العربى . وقد اطلقوا اسم AI pG على هذه المنظمة وتعنى جمعية تطوير الاصماغ العالمية ، و يتنقل مقر اجتماعها السنوى دوريا وفى كل عام ما بين العواصم الأوروبية ، فى ألمانيا وفرنسا وإنجلترا لكنه يرتبط غالبا مع المؤتمر السنوي والمعرض الدولي الذى يقام كل عام فى إحدى المدن الأوروبية الكبرى والمعروف بمعرض الغذاء العالمى FIE والذي يلتقى فيه كل منتجى ومستهلكى الأغذية والعقاقير للإطلاع على الاكتشافات الجديدة فى المجال . وقد تيسر لدكتور عبد الماجد ان يكون عضوا فى منظمة AI p G فى عدة دورات . ويضيف د. عبد الماجد : المهم فى امر منظمة AIPG كانت قادرة على ان تضغط على مجموعة الاعضاء المنتجين فى المنظمة من دول أفريقيا وهى (ّ السودان _ تشاد _ نيجيريا ) وهذه الأقطار الثلاثة كانت تمثل الثقل الاكبر فى مجموعة المنتجين ، على ان المنظمة فى ذات الوقت خلقت نوعا من المنافسة والصراع بين ممثلي الأقطار الإفريقية واستفادت من التناقضات الاقتصادية والتجارية مما جعل ممثلي هذه الأقطار فى حالة خلاف وعدم توافق داخل المنظمة . ودور المنظمة الحقيقي لم يكن يتجه نحو دعم إنتاج الصمغ وتطويره وانما كان يسمى لتحقيق هدفين ، الهدف الاول : هو التاكد من ان انتاج السودان يظل فى كل عام منتظما فى حدود 20 _ 25 لا يزيد عنهما ، واذا نقص عن هذه الكمية فيمكن سد النقص من الدول الإفريقية ، اما الهدف الثانى الذي تسعى وراءه المنظمة هو ان تظل الاسعار مستقرة فى الحدود المقبولة لمجموعة الكارتيل ، على الا تزيد من عن 2500 دولار وربما نزلت الى الف دولار للطن الواحد. وعلى كل حال فقد احتدمت منافسة حادة وشرسة بين منتجى البدرة الرذاذية فى اوروبا ومنتجي البدرة الميكانيكية والبلورات داخل السودان . ويعتقد السودانيون ان البدرة الرذاذية لن تكون قادرة على منافسة البدرة الميكانيكية والحبيبات فى كل الاسواق سواء بالخارج او الداخل ، لا من حيث الجودة ولا من حيث الاسعار ، ولهذا السبب اعتقدوا ايضا ان المستفيدين فى اوروبا قد اتبعوا اساليب غير مشروعة ، واطلقوا الكثير من الشائعات لوقف انتاج الميكانيكية والحبيبات . ومن ذلك ادعائهم بان البدرة الميكانيكية ما هى الا مرحلة اولية من مراحل تصنيع البدرة الرذاذية ، واشاعوا ان الصناعة المحلية غالبا ما تكون ملوثة بالشوائب والأحياء الدقيقة غير للمطابقة للمواصفات ، وان تصنيع الصمغ الرذاذي يعتبر من الصناعات التى لا يقدر عليها السودانيون نظرا لتقاناتهم المتخلفة . ولعل هذه الشائعات ادت الى ان يكون سعر الصمغ المصنع محليا اقل كثيرا من البدرة الرذاذية ، وفى ذات الوقت أعتقد منتجو البدرة الميكانيكية ان هذا المناخ ادى إلى ظهور كثير من التعقيدات والمعاكسات التى هدفت إلى عدم دخولهم فى هذا المجال او على الاقل تاخيرهم عن اقتحام هذا المجال . وعقب دخول شركة الخرطوم فى مجال تصنيع الصمغ العربى توالت بعد ذلك التصديقات للشركات الخاصة الاخرى مثل شركة دار سافنا _ وأعمال الخرطوم GAP لمؤسسها الدكتور خالد فرح _ وشركة نوبك وشركة كنج وشركة دان جديد غيرها .هذا إضافة الى ان شركة الامتياز المعروفة بشركة الصمغ العربى قامت باستيراد مصنعين ونشات شراكة وتعاون مابين شركة ايلى قروب السودانية وشركة الفريد وولف الألمانية كان نتيجتها انشاء مصنع هينيلى كاول مؤسسة محلية متخصصة فى انتاج البدرة الرذاذية ، وربما كان لقيام مجموعة كبيرة من الشركات المحلية اثرا مباشرا فى زيادة التنافس بين الشركات الأوروبية والأمريكية والشركات السودانية مما أدى الى ظهور صراع حول اسعار الشراء من ناحية ، ومحاولة البحث عن بديل للسودان تمثل فى تشاد وأفريقيا الوسطى ونيجيريا وأثيوبيا وفى ذات الوقت نشطت عمليات التهريب عبر دول الجوار المذكورة ، وبرزت مصر التى تستقبل وتعيد تصدير الصمغ العربى مع انه للعلم لاتوجد بها اى شجرة هشاب واحدة ! .
كان الراحل العزيز الدكتور عبد الماجد عبد القادر حريصا على وضع هذا المنتج الحيوى ( الصمغ العربى ) فى صدارة الاهتمام الوطني بموارد السودان المتنوعة ، و قد نجح الراحل فى اشاعة أجواء اعلامية حول الصمغ مما زاد من الاستهلاك المحلى للصمغ وهذه نقطة جوهرية . الى ذلك ظل الراحل العزيز مدافعا شرسا فى وجه هجمة دول الكارتيل ، واستطاع ان يعلى من شان بلاده وشان مواردها …رحمه الله .

Related posts