د. عبد الماجد عبد القادر .. اسرار الصمغ العربى

أحمد عبدالله التوم .

فى الواحدة من ظهر الأربعاء 20 مايو 2020 رحل عن دنيانا الدكتور عبد الماجد عبد القادر عبد الماجد خبير الصمغ العربى المعروف والمتخصص فى الاقتصاد الزراعي ، وقد شق نعيه علينا ، وكان لى شرف التعرف عليه والارتباط معه بصداقة عميقة وممتدة . والدكتور عبد الماجد رحمه الله ، رجل متعدد المواهب ، غزير الأنشطة والمبادرات . وهو من مواليد ابوسليم غرب الدامر 1950 . درس الاولية بابى سليم ، والوسطى بالدامر ، والثانوي بعطبرة الثانوية ، وتخرج فى جامعة الخرطوم كلية الزراعة ، وتحصل على الماجستير والدكتوراة فى الاقتصاد الزراعي من جامعة الخرطوم نفسها . فى بداية امره عمل موظفا ببنك فيصل ، ثم بنك البركة ، وما لبث ان تحول للعمل فى القطاع الخاص المرتبط بتسويق الصمغ العربى ، الى جانب أنه كاتب صحفي ومؤلف لعدة كتب فى الاقتصاد . كما انه ناشط فى منظمات المجتمع المدني اذ كان رئيسا لجمعية الصداقة السودانية الأمريكية . عمل امينا عاما لمجلس الصمغ العربى ، وهو مجلس حكومى يعنى بقيادة مبادرات لتطوير الصمغ العربى انتاجا وتمويلا وترويجا ، وبحوثا ودراسات . وكثيرون يخلطون بين مجلس الصمغ العربى وشركة الصمغ العربى ، والفرق بينهما كبير . ومن أهم إنجازاته فى مجلس الصمغ العربى ، هو تسجيل الجينات الوراثية للصمغ العربى باسم السودان فى المنظمات الدولية المعنية بالاغذية خاصة الصمغ العربى ، وكنت شاهدا على هذا الشرف الباذخ الذي كان مسرحه هيئة البحوث الزراعية بود مدني ، ومن ابرز مبادراته ، اعادة الغطاء الشجرى فيما عرف ببرنامج الاحزمة الشجرية بولاية القضارف ، حيث قام الدكتور عبد الماجد بتجربة جريئة لم يسبقه عليها احد وتعاقد مع الهيئة القومية للغابات لزراعة 34 مليون شجرة من الاكاشيا كانت نسبة الهشاب والطلح 90% ، وكانت التجربة مثالا حيا لاستعادة البيئة الزراعية لسيرتها القديمة ، بعد ان انهكتها ممارسات الزراعة الآلية فى السابق والتى قضت على الغطاء الشجري مما يجعل التجربة قابلة للتكرار فى مناطق اخرى من البلاد ، وقد زرت موقع هذا المشروع عدة مرات ، ولن يصدق الزائر للمشروع الا الذى راه من قبل ارضا بلقعا ، ونمت الاشجار وترعرعت وأصبحت منتجة ، ووجود أربعة وثلاثين مليون شجرة يقوم بزراعتها شخص واحد عمل كان يستحق الإشادة والتقدير ، ووالله لو كان هذا المشروع فى مكان غير السودان لنال د. عبد الماجد جائزة نوبل ، ونسال الله ان يعوضه الله فى الاخرة ، ونشهد انه كان رجلا صالحا ، وقد صار المشروع مكانا زراعيا وسياحيا ، وعادت فيه الحيوانات البرية المطرودة الى طبيعتها كما عادت الطيور المهاجرة ، ووجد الناس حطب الحريق وحطب المبانى ووجدوا الملاذ الآمن لحيواناتهم . يقول دكتور عبد الماجد فى كتابه القيم ( الصمغ العربى فى السودان ..صراع بلا حدود ) : الصمغ GUM اسم جنس نوعى يطلق على الإفرازات الكاربوهيدراتية التى تنتج من سوق وفروع النبات عن طريق جرحها طبيعيا ، او بفعل الانسان والحيوان او بواسطة التفاعلات الفيزيائية ، وفى العالم اصماغ عديدة تحمل أسماء مناطق إنتاجها او تصديرها ، منها صمغ ( الكرايا ) من الهند و ( التراجاكانت ) من ايران و ( الغاتى ) ولبان البخور من اليمن والصومال والسودان . واهم اشجار الصمغ هى من جنس ( الاكاشيا ) واهم أنواعها هو الهشاب والطلح ، ويتميز السودان باتساع نطاق توفرهما وتباين بيئتهما ، مما يؤمن الإمدادات من الصمغ تحت ظروف التقلبات الجوية والافات ، وقد عرف الصمغ العربى على انه الناتج من شجرة الهشاب ، وهو الاميز نوعا والاعلى جودة وسعرا ، وقد اقرت مواصفته لاول مرة لجنة دستور الأغذية العالمية عام 1978 بتوصية من منظمة الأغذية والزراعة والصحة العالمية ، ويتميز فى السودان بالنمو الجماعي الصافي دون اختلاط بالاصماغ الاخرى ، مما مكن السودان من احتكار سوقه العالمى ، ومؤخرا اضيف اليه افراز شجرة الطلح الاقل جودة واستعمالا وسعرا ، حيث اقرت هذا الخلط لجنة دستور الأغذية فى عام 1999، وأصبح الصمغان يسوقان تحت المصطلح الكودى E 414 . ويشمل حزام الصمغ العربى خمس مساحة السودان ، ويغطي احد عشر ولاية ، ويعمل فى انتاجه أكثر من خمسة ملايين مواطن . وقد ازدهرت تجارة الصمغ العربى فى السودان منذ مطلع القرن العشرين وظلت فى ايدى قلة من الشركات الأجنبية ، مما اقتضى منذ الخمسينيات فرض سعر قاعدى للصمغ يعلن فى بداية كل موسم ، ثم انشئت فى عام 1969 شركة مساهمة عامة منحت امتيازا يخولها حصريا تصدير الصمغ العربى الخام على ان تؤمن شراء كل الصمغ المعروض فى الأسواق المحلية بسعر التركيز المجزى للمنتج والذي تحدده وزارة التجارة ، وان تقدم الشركة الخدمات الأساسية كالصحة ومياه الشرب للمنتجين ، ودعم جهود التعمير والبحوث والتنمية والتطوير . يشرح د. عبد الماجد اسباب تسمية الصمغ فى السودان بالصمغ العربى اذ يقول : عبارة ( الصمغ العربى ) الدالة على نوع بعينه نجدها فى صحاح (ّالجوهرى ) المؤلف قبل الف عام ، كما نجدها فى كتب اللغة القديمة مثل ( القاموس المحيط ) و ( المصباح المنير ) ، ويؤكد : ان هذا يعد دليلا على ان العبارة كانت متداولة على السنة المتكلمين باللغة العربية داخل البلاد العربية ، خلافا لما توهمه بعض المعاصرين الذين ظنوا أن تسمية اجود انواع الصموغ بالصمغ العربى جاءت من أوروبا ، وتوهموا ان الأوروبيين سموه بذلك الاسم وان كانت الجزيرة العربية لا تنتجه لان الموانئ العربية كانت تصدره لهم ، ولو كان الامر على ما ظنوا لجاز ان نسمع عبارات مثل البن العربي والسمسم العربي والتوابل العربية . ولو كان ذلك كذلك لاطلق الاسم على كل انواع الاصماغ الاخرى التى تنتجها الأشجار المختلفة . واما صفة النوع الذي يقال له ( العربي ) ، فان اقاويل الباحثين فى المكتبة العربية متقاربة على انه «ّ ناصع اللون شديد اللزوجة مموج كالزجاج » وذلك الوصف ينطبق على الصمغ المستخرج من شجرة الهشاب . وقد وجدت العبارة كما هى عند الكاتب الروماني ( بلينى ) فى كتابه التاريخ الطبيعي الصادر فى القرن الاول للميلاد فى موضعين من الكتاب ، وصف فى اولهما شجرة السنط وثمرها بكل خصائصه وذكر انها تنتج صمغا ، وبعد نحو صفحة من الكتاب ذكر على ان صمغ الشوكة ( الاكاشيا ) هو اجود انواع الصموغ ، وهو مموج ولزج يلصق بالأسنان . وقد نقل المؤلفون العرب من لغويين ومعنيين بالعطريات العبارتين وخرجوا بقولهم : ان اجود انواع الصموغ هو النوع الجيد المموج كالزجاجة وهذا هو صمغ شجرة الهشاب، وهي شجرة معروفة فى السودان مجهولة لغيره من البلاد العربية الشمالية والشرقية ، واصل كلمة ( العربي ) موجود فى لغات غرب البحر الأحمر ، فى اللغة البجاوية التى تحتفظ بمفردات عتيقة ومنها ( اربى ) ومعناها ابيض ناصع ممتاز ، او كما كتبه بعض البريطانيين فى قاموس بجاوى white excellent وعليه فان كلمة ( عربي ) تعنى الصمغ الناصع الخالى من لحاء الشجرة . ومن خصائص سائل الصمغ العربى انه لزج ولاصق وانه مادة عضوية طبيعية لا طعم له ولا لون ولا رائحة وخال من السموم والمواد الضارة بالصحة ، وضعيف السعرات الحرارية ، ومثبت جيد للنكهة والرائحة ورابط ومستحلب يساعد على تجانس السوائل المختلفة الكثافة مع الدهون والزيوت ، ومصلب ومبرغن ومجسم ، ويعمل على الحفظ من الجراثيم والميكروبات وعلى حفظ المواد الغذائية الخالية من الحديد ويمنع تغير لون اللحوم والالبان وتبلور السكر فى المشروبات عند البريد ويخفف من كمية الكولسترول فى الدم . وبفضل هذه الخواص أصبح للصمغ العربى دور كبير ومجال واسع فى صناعة الحلويات والمربيات والمشروبات والمواد الغذائية، والعقاقير الطبية ومستحضرات التجميل والاحبار والطباعة والنسيج والمفرقعات والمفاعلات النووية،، واكتشف حديثا بعض الفوائد الخاصة بعلاج امراض الفشل الكلوى والجهاز الهضمي . ازدهرت تجارة الصمغ فى القرنين الماضيين ، وأصبح اغلب التصدير يتم عبر ميناء بورتسودان بعد وصول السكة حديد اليها فى عام 1906 ، وظل الصمغ يتبوا مركز الصدارة حتى بداية انتاج القطن حيث أصبح فى المركز الثاني ، وظل يتارجح بين المركز الثاني والثالث بعد ازدهار تصدير الحبوب الزيتية والثروة الحيوانية . لم ينقطع سيل المعلومات فى كتاب الصمغ العربى فى السودان..صراع بلا حدود ، وربما عدنا للحديث عن المافيا الدولية للصمغ العربى فى وقت لاحق …رحم الله صديقنا العزيز الدكتور عبد الماجد عبد القادر .

Related posts