عبد الله مكي يكتب: الإسلام السياسي وتحديات ما بعد الإستعمار… حسن الترابي نموذجاً (7)

أفكار الترابي

“ليس من السهل على شباب الصحوة الإسلامية غير المتمكنين من ناصية اللغة العربية، المتمرسين بالمفاهيم الفلسفية والأصولية، أن يستوعبوا جميع كتابات الترابي بعمق، وهي كتابات تجمع بين تجريدات (هيجلْ) الفلسفية ولغة الشاطبي الأصولية “. هكذا كتب الدكتور محمد مختار الشنقيطي في مقدمة كتابه المشهور (آراء الترابي من غير تكفير ولا تشهير) .

أما الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية فقد قال في مناظرة تلفزيونية مع الأستاذ محمد أركون حول كتاب الشيخ حسن الترابي: (السياسة والحكم .. النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع) معلقاً على فكر وعلم الترابي قائلاً: (الترابي ينحت من صخر وينهل من بحر) . وذلك دلالة على غزارة علمه والرسوخ فيه.

فقد اهتم الشيخ حسن الترابي بالفكر الإسلامي اهتماماً شديداً، وساهم بقوة في تجديده وتطويره وكشف علله حتى يتعافى ويساهم في نهضة المسلمين، ويكون له رصيد وافر في الإنسانية. وقدّم في سبيل ذلك الآلاف من المحاضرات في داخل السودان وخارجه، والمئات من الندوات، وشارك في العشرات من المؤتمرات وغيرها. وكتب في ذلك عدة كتب وأوراق ومؤلفات، وكان أهمها : (تجديد الفكر الإسلامي) و(تجديد أصول الفقه) و(التجديد نحو منهج أصولي) و(منهجية الفقه والتشريع الإسلامي) و(السياسة والحكم) و(نظرات في الفقه السياسي) و(الإيمان أثره في حياة الإنسان) و(الصلاة عماد الدين) و(الشعائر الدينية وأثرها في الحياة العامة) و(خطاب الأمة الإسلامية إلى أهل الملل الأخرى) و(الجهاد والحياة العامة) و(ظاهرة الإرهاب السياسي) و(مرتكزات الحوار مع الغرب) و(المسلم بين الوجدان والسلطان) و(المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع) و(حوار الدين والفن) و(التفسير التوحيدي) و(المصطلحات السياسية في الإسلام) و(الأصول الفكرية والعملية لوحدة العمل الإسلامي). وهناك مسودة من 108 صفحة لم تكتمل لكتاب جديد في الأصول تحت عنوان: (علم أصول الشرع) كان ينوي إكمالها بعد إكمال التفسير التوحيدي.

الفكر الإسلامي عند الترابي

في كتابه (تجديد الفكر الإسلامي)، يعرف الشيخ الترابي الفكر الإسلامي بالقول: “والفكر الإسلامي إنما هو التفاعل بين عقل المسلمين وأحكام الدين الأزلية الخالدة”.

ويرى الترابي أن عقل الجيل من المسلمين الذي يضطلع بالتفكير في الإسلام يتكيف بنوع وكمية المعارف العقلية، والتجارب التي يحصلها في كل زمان، فإذا ضاقت هذه المعارف ضاق، وإذا اتسعت اتسع. لذا يعتبر الشيخ الترابي أن الفكر الإسلامي: “هو التفاعل بين عقلنا المتكيف بهذه العلوم، المنفعل بهذه الظروف مع الهدي الأزلي الخالد الذي يتضمنه الوحي والذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم “.

علل الفكر الإسلامي

ويرى الترابي أن للفكر الإسلامي ثلاث علل رئيسية هي التي أقعدت به ومنعته من التقدم والتطور والإنفتاح على الآخرين، ولخّص هذه العلل الثلاث في الآتي :

العلة الأولى : الإنقطاع عن الأصل.

العلة الثانية : الفروعية في الفقه الإسلامي الموروث.

العلة الثالثة : الإنقطاع عن حياة الناس، لذا أصبح فكراً مجرداً.

وهناك علل أخرى – كما يرى الشيخ الترابي – مثل الخلل في ترتيب الأولويات، والشكلية والباطنية (راجع بتوسع منهجية الفقه والتشريع الاسلامي).

ثلاثية فكر الترابي

أما أفكار الترابي فتقوم على ثلاث ركائز ومحاور رئيسية وهي :

التوحيد والتجديد والتدين.

يقول الشيخ الترابي في كتابه (الأصول الفكرية والعملية لوحدة العمل الإسلامي):  “والتوحيد يقتضي توحد حركة الكائنات تلقاء كلمة الله الكونية والشرعية كما يقتضي توحد حركة الجماعة العابدة وفق التكاليف الشرعية”.

ويقول دكتور أمين حسن عمر في كتابه (أصول فقه الحركة) وفي الفصل الثاني تحديداً والمعنون بـ(الترابي ودعوة التجديد)، يقول: “دعوة الدكتور الترابي لتجديد الفكر والحياة ترتكز على مفهوم التوحيد. فمنطلقه للتجديد يبدأ من قضية الإيمان التوحيدي وإعادة طرحها من جديد بصورة تتجاوز نظر المتكلمين والفلاسفة “.

ويؤكد دكتور أمين حسن عمر أن رؤية الترابي التوحيدية : “تستفيد من عقلانية الفلاسفة وتحقيقات الفقهاء ورؤى الصوفية ولكنها تضم كل ذلك إلى نظرة جامعة في العقيدة تأخذ أيضاً من معاني القرآن الخالد الذي لا تنفد ذخائره”.

والشيخ الترابي يرى أن الإيمان معنى يتخلل كل وجود المؤمن وينبغي أن يتمثل في كل لحظة ولمحة من حياته. فيقول في كتابه (الإيمان أثره في حياة الإنسان): “فعقيدة الإيمان تقوم على التوحيد والإستغراق، فهي موقف كلي ليس لوجوه التعبير عنها من حصر، بل مسرحها الحياة الإنسانية جميعا. فحيثما وقعت وقائع الحياة من فكر وذكر أو فعل اتيح مجال للعبادة وحيثما كانت عبادة فهي تحقيق للعقيدة وتربية لها في ذات الوقت “.

ويتساءل الشيخ الترابي: “الفكر الإسلامي هل يتجدد ؟ أليس الدين هدياً أزلياً خالداً لا مكان فيه للتجديد؟ فيُجيب بقوله: بلى….الذي يتجدد ويتقادم ويبلى إنما هو الفكر الإسلامي “.

وشرح الترابي رؤيته للتجديد بقوله: “وأرى أن يتم هذا التجديد الديني المنشود في مستويات ثلاثة :

أن نرده إلى الأصول الأولى من القرآن والسنة مستنيرين ومسترشدين بتقاليدنا وتجارب سلفنا الصالح الذي طبق الإسلام تطبيقاً معيناً وهدانا بعض الهداية.

أن نجدد الصلة بالعلم العقلي .. العلم الإقتصادي .. العلم بطبائع البشر بطبائع الأشياء. وأن نوحد العلم كله في إطار واحد وإن كان ذلك يبدو كثيراً فليكن الإجتهاد اتفاقاً.

أن نربط بين الفكر الإسلامي وبين الواقع. فالدعاة للإسلام عليهم أن يكتبوا كتابات للمشكلات العملية الواقعة ولا يتحدثون عن الأمور العامة النظرية.

وأن نحقق الإسلام في واقع الحياة حتى يمكن أن يمتزج الواقع بالدين امتزاجاً حياً ويمكن من بعده أن نقبل على الإجتهاد بروح واقعية كما يقتضيها الدين”.

وفي كتابه (تجديد الفكر الإسلامي) يكتب الشيخ الترابي تحت عنوان (حركة التدين تلاحق أقدار الله المتقلبة): “وإذا قررنا أن حقائق الدين الجوهرية ازلية لا تزول جاز لنا من بعد ان نقدر أن كل وجه من وجوه التدين قابل للتطور وصائر إليه تبعاً لمصائر الحادثات من حركة الحياة “. وكذلك يقول: “ولا يسكن نشاط التدين إلا إذا تجاوزته الحياة وظهرت ثغرة بين مستوى كسب المتدينين ومقتضى تكاليف الدين الحق لا يستدركها إلا كسب جديد من الإجتهاد والجهاد يرقى بما انحط من التدين ويبلغ به ما يوافي التكاليف المتطورة ويستجيب لتحديات الابتلاء التي تطرحها الحياة الحادثة “.

البناء الفكري

والترابي بعد (تجديد أصول الفقه) و(تجديد الفكر الإسلامي) بدأ مشغولاً بالإنتقال من المربع النظري إلى الواقع العملي، وأسماه في بعض الكتابات بـ(الإنتقال من المبادئ إلى البرامج) داعياً إلى إنزال شعار (الإسلام هو الحل) إلى حيز التطبيق، ضارباً مثلاً بطريقته المعهودة: (هي مثل أن يقول الطبيب للمريض الدواء هو الحل، لكن المريض يحتاج لتحديد الدواء عيناً للمرض المخصوص) فيقول في ذلك:

“فمن الأولويات المتممة له أن يستدرك أمره بنهضة فكرية تتنزل بدين الحق في أصول الشريعة الخالدة إلى دين الكسب في عمل الناس التاريخي كما تنزل من عالم السماء إلى دنيا الابتلاء، فالمشروع الفكري القادم هو اجتهاد ينتقل من المذاهب والاصول إلى البرامج والفروع لمقابلة حاجة الدعوة والتطبيق في الحياة العامة “.

Related posts