عبد الله مكي يكتب: الانقلاب العسكري.. فرص النجاح وأسباب الفشل (2–2)

في دول العالم الثالث يكون للجيش دور أساسي في العملية السياسية، حتى لو أدى هذا الأمر لتعقيد الأزمات السياسية وإلغاء نتائج الانتخابات، كما حدث في تركيا وفي الجزائر بعد تدخل الجيش لوقف العملية الانتخابية بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجولة الأولى، وأخيراً تدخل الجيش في ثورات الربيع العربي، وعزل الرئيس محمد مرسي أول رئيس منتخب لمصر ووضعه في السجن حتى الموت.

في كتابه (الجندي والدولة والثورات العربية) يقول طيبي غماري:” تعتبر الجيوش العربية من أكثر جيوش العالم تورّطًا في الأزمات السياسية منذ سقوط الخلافة الإسلامية في صيغتها العثمانية إلى اليوم “. ويُعلق غماري على ردود فعل الجيوش العربية في ثورات الربيع العربي بالقول: “فعلى الرغم من الاختلافات في ردات الفعل التي أبدتها الجيوش العربية في كل دولة من دول الربيع العربي، يبقى القاسم المشترك بين هذه الجيوش وجود علاقة خاصة بين العسكري والسياسي “.

يقول صمويل هنتنغتون في كتابه (النظام السياسي لمجتمعات متغيرة): “كل جماعة تستخدم طرائق تعكس طبيعتها وقدراتها الخصوصية، الأثرياء يرشون، والطلاب يُشاغبون، والعمال يضربون، والعامة يتظاهرون، والعسكر يعدون الإنقلابات. وفي ظل غياب إجراءات متفق عليها، تظل جميع هذه الأشكال من الفعل المباشر قائمة على المسرح السياسي”.

وتحت عنوان: (مقاربات العلاقات العسكرية – المدنية) كتب طيبي غماري أنه “منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أُنجز عدد كبير من الدراسات والبحوث حول العسكر وعلاقاتهم بالمدنيين، وهناك نظريات وضعت تصنيفات لمختلف جيوش العالم، بناءاً على علاقاتها بالمدنيين وردة فعلها أمام الحراك السياسي الذي يميز بلدانها”. حيث تم تلخيص خمس من هذه النظريات في الآتي:

أولاً: نظرية هنتنغتون: (الهدف الأول للسياسة الاحترافية للجيش هو تطوير نسق علاقات عسكرية – مدنية قادرة على ضمان الحد الأقصى من الأمن العسكري بحد أدنى من التضحية بباقي القيم الاجتماعية، مع المحافظة على الحياد).

ثانياً: نظرية فاينر: (خلفيات الجيش السوسيولوجية والأنثروبولوجية والتاريخية هي التي تحدد أشكال ردات فعل العسكر على المثيرات الصادرة من الجهات المدنية، إضافة إلى شبكة معقدة من العلاقات بين المدني والعسكري).

ثالثاً: نظرية جانُوِيتز: (مقاربة سوسيولوجية تنطلق من ضرورة إشراك العوامل الاجتماعية والثقافية في نشر ثقافة أسبقية المدني على العسكري، وتتعلق الاحترافية بعمل بيداغوجي يهدف إلى نشر ثقافة هيمنة المدني على العسكري، وخدمة العسكري للمدني بطواعية).

رابعاً: نظرية مهران كامرافا: (تصنيف ثلاثي للعلاقات العسكرية – المدنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا : صنف الضباط السياسيين المستبدين، وصنف الملكيات المؤسسة على القبلية، وصنف الجيوش ذات التبعية المزدوجة).

خامساً: مقاربة زولتان باراني: (جيوش البلدان التي مستها الثورات العربية أربعة أصناف: الجيوش التي وقفت مع الثوار كما في مصر وتونس، والجيوش التي انقسمت حول دعم الثورة كما في اليمن وليبيا، والجيوش التي قررت الحفاظ على الوضع القائم كما في البحرين وسورية، وجيوش الملكيات العربية المعزولة عن الحراك السياسي في مجتمعاتها).

وعن أهمية توازن القوى بين المدنيين والجيش، يجد(باراني): “أن توازن القوى بين المدنيين والجيش أمر بالغ الأهمية لدى الانتقال من الطغيان إلى الديمقراطية”. ويتوقف هذا التوازن على:” سجل الجيش خلال النظام السابق ودرجة سيطرته على تسارع الانتقال وتوقيته “.

ومن أجل حل آمن يضمن تحكماً مدنياً فعالاً على القوات المسلحة، دون الاخلال بكفاءة منظومة الدفاع القومي، يقترح هنتنغتون في كتابه (الجندي والدولة: نظرية وسياسة العلاقات المدنية – العسكرية) الحل الآتي : “إضفاء طابع مهني ويعني أن ضباط الجيش يجب أن يعكسوا نفس الخصائص من الخبرة والمسؤولية التي يبديها موظفو الشركات. بالنسبة للخبرات، لابد من”قدرة الجندي على إدارة العنف ” وليس مجرد تطبيقه. المسؤولية الخاصة لضابط الجيش هي استخدام هذه الخبرة لصالح الدولة. في نفس الوقت، شهادة الخبرة هذه تأتي من فيالق الضباط نفسها باعتبارها الجهة البيروقراطية الأوضح “. 

يقول صمويل هنتنغتون: “إن تقنيات التدخل العسكري هي ببساطة أكثر درامية وفعالية من غيرها، وقد عبر هوبز عن ذلك بقوله: “حين لا يبرز شيئ آخر، تصبح الهراوات أوراقاً رابحة”.

الانقلابات في السودان

في الجزء الثاني من كتاب (القومية والدول الجديدة في أفريقيا) والذي قام بتأليفه كل من علي مزروعي ومايكل تايدين يقول جيس اس كولمان: “ليس لأية دولة أفريقية جنوب الصحراء باستثناء السودان جيش قادر على القيام بدور سياسي”.

ويقول صمويل هنتنغتون في كتابه (النظام السياسي لمجتمعات متغيرة): “في دول مثل باكستان والسودان، كان التطور المؤسساتي غير متوازن: كانت البيروقراطيتان المدنية والعسكرية قد أحرزتا مستوى أعلى من التطور من الأحزاب السياسية، وكان لدى العسكريين حوافز قوية لملئ الفراغ المؤسساتي في جانب (الداخل) من النظام السياسي، ويحاولون القيام بمهام إجمالية الفائدة. وهذا النمط كان بالطبع شائعاً أيضاً في أمريكا اللاتينية”.

الأستاذ بجامعة الخرطوم د. حسن الحاج علي أجرى دراسة عن الانقلابات العسكرية في السودان أسبابها ودوافعها، قال: “إنّ تدخل العسكريين في السلطة في السودان ما هو إلا امتداد للعملية السياسية بوسائل الإكراه “. وقال: (الانقلاب العسكري في السودان هو استمرار للعملية السياسية بوسائل أخرى بسبب عوامل هيكلية. وعندما تزداد حالة الصراع والاستقطاب السياسي تتزايد فرص الانقلاب. وإنّ قدرة النظام الحاكم التكتيكية في منع الانقلاب تجعل الاستقرار مرهوناً بتلك القدرة وليس بسبب السمات الهيكلية للدولة).

وقدّم شرحاً ونقداً لمعظم النظريات التي تتحدث عن تدخل المؤسسة العسكرية في العملية السياسية وخلص للآتي :-

أولاً: الإنقلاب العسكري في السودان هو استمرار للعملية السياسية بوسائل أخرى بسبب عوامل هيكلية. وهذا يعني أنّ الدافع الرئيس للإنقلاب ليس السمات التنظيمية للقوات المسلحة أو المظالم الشخصية للضباط ، فهذه تُشكل فقط حافزاً مُهيئاً للإنقلاب.

ثانياً: توسع المهام المهنية للقوات المسلحة، وحكم العسكريين المتطاول، بجانب

 تجييش الشعب في فترة الإنقاذ، قلل الهوة بين المدنيين والعسكريين، وجعل تداول المدنيين والعسكريين على السلطة يُنظر إليه بحسبانه جزءاً طبيعياً، من العملية السياسية في السودان.

ثالثاً: عندما تزداد حالة الصراع والإستقطاب السياسي تتزايد فرص الإنقلاب، كما تزداد للسبب ذاته فرص انهيار النظام العسكري عندما يكون العسكريون في السلطة. أي أنّ تزايد الإستقطاب والصراع السياسي يُسهم في انهيار الأنظمة المدنية والعسكرية في السودان.

رابعاً: إنّ قدرة النظام الحاكم التكتيكية في منع الإنقلاب تجعل الإستقرار مرهوناً بتلك القدرة وليس بسبب السمات الهيكلية للدولة.

 وفي كلا النوعين من أنماط الحكم: المدني أو العسكري كانت الأزمات الحادة هي الحافز الرئيس في الإطاحة بالسلطة الحاكمة، وبرز دور السياسيين بحسبانه الأكبر في دفع العسكريين نحو استلام السلطة، وأدت المحفزات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والمهنية دورا مهما في إنجاح الإستلام. ولكن يظل الخلل الهيكلي هو السبب الرئيس وراء الإنقلاب العسكري، حيث لا يزال دور المجتمع المدني ضعيفاً، ولا زالت الحكومة تهيمن – بجانب هيمنتها السياسية – على مفاصل المجتمع الإقتصادية والإعلامية والثقافية. وأصبح استلام السلطة كما يقول د. حسن الحاج علي: (مباراة صفرية)، بمعنى أنّ الطرف الخاسر يخرج صفر اليدين بخروجه من السلطة، أو فقدانه الأمل في الوصول إليها بصورة شرعية. في هذه الحالة إذا لم يسع لإستلام السلطة، في ظل ضعف المجتمع المدني، فإنّ انتظاره سيطول على هامش الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية في البلاد.

تُعرّف بعض المدارس السياسية الأزمة الثورية: (بأنّها تلك الحالة التي يكون فيها النظام الحاكم غير قادر على الحكم أكثر من ذلك، وتكون الجماهير غير مستعدة للعيش في ظله ولو لحظة واحدة، وأن تكون هناك قوة سياسية متطلعة لاستلام السلطة ومستعدة لها). والسؤال هو هل وصل السودان مرحلة (الأزمة الثورية)؟ ففي هذه الحالة نحن نحتاج لوصية هنتنغتون :”هناك حاجة إلى مؤسسات سياسية قادرة على تنظيم انتقال السلطة، وحماية مسألة الإستلام والتسليم بين قائد وآخر، أو بين مجموعة من القادة ومجموعة أخرى، وذلك بدون اللجوء إلى التفعيل المباشر الذي يتخذ شكل انقلاب أو ثورة، أو أي اجراء غيرهما يؤدي إلى إراقة الدماء”.

Related posts