الوليد سيد يكتب: التنمُّر السياسي Political Bullying

التنمُّر كما عرفه علماء الإجتماع  هو سلوك عدواني غير مرغوب فيه من قبل شخص أو مجموعة تجاه شخص آخر أو جماعة أقل قوة بهدف الضرر، أو التخويف، أو التضييق. وقد ظهر هذا المصطلح في السنوات الأخيرة وارتبط مجتمعياً بالأطفال الذين يعانون من الاضطهاد والعنف من زملائهم وأقرانهم في المؤسسات التعليمية، حيث أن التنمّر كسلوك يبدأ مع الشخص من الطفولة، وغالباً ما يمتد مدى الحياة.

لكن هناك نوعا آخر من التنمر  وهو “التنمر السياسي” Political Bullying وممارسة سياسة الإقصاء والترهيب ضد أي شخص مخالف في الرأي والرؤى والفكر والأيديولوجية السياسية ليس بالضروري أن يكون التنمر صادراً من تيار فكرى أو سياسي مؤيد صاحب أغلبية أو أكثرية تجاه تيار آخر معارض يحظى بأقلية سياسية، لكن في أحيان كثيرة يكون التنمر من تيارات سياسية معارضة ضد تيارات سياسية وفكرية مؤيدة وأحياناً أخرى يكون التنمر ضد نفس التيار والاتجاه الفكري والسياسي الواحد.

من أهم أسباب التنمر هو  الشعور  بالفوقية، الأمر الذي يجعل المتنمر  يوقن أن له الحق في التحكم والتسلط، و يدعم هذا الشعور نقص التعاطف و ضبط ردود الفعل و المهارات الاجتماعية. وقد ساهم كذلك في إنتشار واتساع حجم هذه الظاهرة في الوسط السياسي في السنوات الأخيرة  فقدان قيمة وأهمية احترام الرأي الآخر، وبدلاً من العمل بالمقولة الشهيرة “إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غير خطأ يحتمل الصواب” أصبحنا وللأسف نعمل بمقولة أخرى مناقضة وهي أن رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرى خطأ لا يحتمل الصواب.

إلى ذلك فإن من  أبرز الأسباب أيضاً تراجع مستوى الثقافة والقراءة لدى السواد الأعظم من المواطنين خصوصاً الأجيال الشابة فبدلاً من أن تكون الحصيلة المعلوماتية قائمة على عدد كبير من المصادر الإعلامية والإخبارية المتنوعة أصبح المصدر الأساسي لمعظم المعلومات هي مصادر غير حقيقية ومصادر افتراضية مجهولة المصدر معلومة الهدف وهو زيادة فجوة الخلاف والانشقاق بين أفراد المجتمع الواحد وبين التيارات الفكرية والثقافية والدينية المتنوعة وتركز في الأساس على ضرب النسيج المجتمعي وبث روح الشك والريبة بين أفراده وطبقاته.

سبب آخر وهو التعصب في الرأي الذي قد يصل أحيانا لحد التطرف والمغالاة في الدفاع عن وجهة النظر وهذا شيء كارثي يظهر بصورة مرعبة في معظم المناقشات السياسية التي غالباً ما تنتهي باتهامات متعددة بالخيانة والعمالة وتوزيع صكوك الوطنية التي أصبح الجميع يمتلكها وكل شخص أعطى لنفسه الحق في منحها لمن يشاء ومنعها عمن يشاء على حسب الهوى، هذا السلوك كان أحد عوامل عزوف عدد ليس بالقليل عن الاستمرار في العمل السياسي.

يظهر التنمر السياسي بصورة أكبر بعد تغيير الانظمة السياسية وظهور انقسامات مجتمعية حول التغيير نفسه، وثمة العديد من الأمثلة على ذلك، فعلى سبيل المثال  وبعد نجاح التغيير الذي حدث بالسودان في ابريل ٢٠١٩ وسقوط نظام الإنقاذ ظهرت موجات من الترهيب السياسي الشديد وإثارة الخوف والتنمر السياسي، ضد كل من له رأي مُخالف للتغيير، وطال ذلك بعض مكونات الاحزاب السياسية التي قامت بالتغيير نفسها ناهيك عن المعارضين له، وقد استفاد المتنمرون من الاوضاع السياسية والاقتصادية والتي مثلت ارض خصبة لتحقيق ودعم تنمرهم علي الآخرين، ولا يزال الكثير من الاعلاميين والسياسيين وكذلك عامة الناس يعملون علي تحليل  كيف يعمل التنمر  بشكل عام؟ وكيف يؤثر  الترهيب السياسي علي العمل السياسي؟ وكيف ينتشر الخوف والرهبة بين الناس، وكيف تتشكل  ردود أفعالهم السياسية؟

بشكلِ عام يستخدم المتنمرون عدة وسائل من اهمها تشويه السمعة، وإطلاق الشائعات، والاساءات المباشرة أو غير المباشرة، والتهديدات المُبطنة، والتخوين، وتجريف تيارات سياسية وفكرية معينة من القيم الايجابية بغرض فض الناس عنها وتخويف الناس من الانتماء اليها، وفي ذلك يأخذ  التنمر السياسي اشكالاً متعددة، ودون الخوض في التفاصيل يمكن ان نري التنمر السياسي في الاتي:

١/استخدام منصات التواصل الاجتماعي  في هجوم عنصري يصل إلى حد العنف اللفظي والاساءة للقبيلة وغيرها من اشكال التنمر.

٢/ سجن المعارضين والدعوة للعنف بصورة مباشرة والمطالبة باعدامات لرموز النظام السابق دون محاكمات قانونية.

٣/ تشويه سمعة العديد من الناس باتهامات في الذمة المالية والاخلاقية دون سند او برهان أو أدلة.

٤/ إرسال نشطاء سياسيين لترهيب العاملين في مواقع العمل واقتحام المؤسسات الحكومية والاساءة للموظفين دون وجه حق.

٥/ الاستهزاء بالشرف العسكري، والاساءة المتكررة للمؤسسة العسكرية ورموزها.

٦/ تفضيل الأجنبي علي الوطني في جميع الحقول والتقليل من شأن المبادارات الداخلية والارتماء في مبادرات الخارج.

٧/تضييق الحريات بكل انواعها واتهام كل المبادرين والساعين للتوفيق في المشهد السياسي.

يُمكن القول أن التنمر السياسي هو اتجاه يقف بالضد من الحرية والتوجه الديمقراطي للمجتمع، فهو وإن بدا  كظاهره اجتماعية إلا أنها  بدأت تشق طريقها الى عالم الحياة السياسية ورموزها واحزابها. و التنمر السياسي ماهو إلا أداة للضعفاء والمفلسين سياسياً وفكرياً، الذين  يعملون لمصالحهم الشخصية وليس للمصالح العامة، كما أنه اصبح أداة يستخدمها البعض للفت الانظار والانتباه أو تحقيق انتصارات وهمية وشعبية زائفة في الوسط السياسي وعلى منصات التواصل الاجتماعي. ويظل التنمر السياسي مهدداً للامن المجتمعي مالم تتعزز الثقة بين الجميع ويؤمنوا بالمشاركة السياسية وتغليب  المصالح العليا للدولة، واللجؤ لدولة القانون وتوجيه الاعلام للتوعية والتثقيف وتجريم كل اشكال التنمر

Related posts