الوليد سيد يكتب: انتخابات إسرائيل: انحسار اليسار وعودة اليمين

شكَّلت الانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت في ٢١ مارس الجاري، إلى حد ما، استفتاء على حكم بنيامين نتنياهو كرئيس للوزراء والمستمر منذ العام 2009، فقد أظهرت نتائج الانتخابات فوزاً واضحاً لقوى اليمين واليمين المتطرف وهو ما سوف يرسخ هيمنتها على المشهد السياسي الإسرائيلي خلال السنوات القادمة.

هذه الانتخابات هي الرابعة خلال عامين وتهدف لانتخاب ١٢٠ نائب هم اعضاء الكنيست، وفقاً للنظام الانتخابي باسرائيل، الذي يعمل  بنظام التمثيل النسبي بمعنى إعطاء فرص للأحزاب الصغيرة للدخول إلى الكنيست المؤلف من 120 مقعد، مع ذلك، يجب على كل حزب أن يحصل على ما لا يقل عن 3,25% من الأصوات لدخول الكنيست والحصول على أربعة مقاعد.

جاءت هذه الانتخابات بعد انهيار الحكومة السابقة، ففي ديسمبر 2020 ، أقر الكنيست القراءة الأولية لمشروع قانون حل الحكومة  بأغلبية كبيرة، فمنذ فشل الكنيست في الموافقة على ميزانية الدولة لعام 2020 بحلول الموعد النهائي المطلوب، في منتصف ليل 23 ديسمبر 2020 ، انهار الائتلاف الحكومي، وتم حل الكنيست الـ23 رسمياً. ووفقاً للقانون الذي ينص على وجوب إجراء الانتخابات في غضون 90 يوماً بعد حل الكنيست، تم تحديد موعد انتخابات الكنيست الـ24 تلقائيًا في 23 مارس 2021، تجدر الإشارة إلى  أن انهيار الحكومة كان نتيجة فشلها في  تمرير الميزانية بعد سبعة أشهر فقط من أداء “حكومة الوحدة” بين حزبي الليكود و”أزرق أبيض” اليمين القانونية. حيث اتفق الحزبان، اللذان تنافسا بمرارة في ثلاث جولات انتخابية غير حاسمة خلال عامي 2019-2020، في مايو على تشكيل حكومة لتقاسم السلطة، مع تناوب على رئاسة الوزراء بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وزعيم حزب “أزرق أبيض” بيني غانتس. إلا أنه سرعان ماتم اختراق الاتفاق بينهما.

الخارطة السياسية للانتخابات الأخيرة تقول  أنه تنافس عليها ٣٧ حزب  أبرزها الليكود وحزب أزرق وأبيض وكلاهما ينتمي للمدرسة الليبرالية أو اليمين، وافرزت نتائج الانتخابات فوز حزب الليكود ب ٥٢ مقعد ( هذا يجعله في مشكلة حسابية لتشكيل الحكومة) كما فازت أحزاب ليبرالية ووسطية ويسارية ب٥٧ مقعد ، هذا المشهد (مع إن النتائج غير نهائية بعد ،حيث تنتظر اعتماد الرئيس الشرفي لإسرائيل) إلا أنها تضع إسرائيل في مأزق تشكيل الحكومة والتي أن لم يتم التوافق عليها فقد يؤدي ذلك لانتخابات خامسة أو تعقيد  تشكيل  الائتلاف الحكومي  الذي قد يستمر شهوراً، لكن الشاهد في نتائجها بخطوطها العريضة  هو استمرار انحسار اليسار  الإسرائيلي وعودة اليمين ونتنياهو ، فماذا يعني ذلك؟

اولاً:  انحسار اليسار الإسرائيلي :

  شهدت  السنوات الأخيرة انحسار نفوذ ما كان يُعرف بأحزاب اليسار الصهيوني، وهو ما يجعل من الرهان عليها في أوضاع إسرائيل الحالية أشبه بالوهم. وذهب العديد من الدارسين والمحللين لأن اليسار الاسرائيلي بدأ انحسار نفوذه منذ  الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006، ومردّ ذلك أن هذا اليسار لم يفعل ما كان ينبغي له أن يفعله، وهو معارضة الحرب. وبقي يمارس «الرقص على حبلين»، بين المعارضة والتأييد للحرب، بمسوّغ أنها «عادلة» و«مبرّرة». وأكد بعض آخر أن تلك الحرب على لبنان دقّت المسمار الأكبر في نعش اليسار الذي كان يعتبر نفسه «معسكر السلام الإسرائيلي».

أعطي ذلك الفراغ الناجم عن انحسار هذا اليسار، قوة دفع لليمين التقليدي وعلى رأسه حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو، كما افسح المجال واسعاً ليمين جديد شعبوي وأقل ليبرالية من اليمين التقليدي، تملأه أحزاب وسط موسمية، مثلما يمثلها حزبا أزرق أبيض ويوجد مستقبل، وقبلهما حزب كديما، فمنذ سنة 1996 اتسم المشهد السياسي الإسرائيلي بنشوء أحزاب وسط جديدة تم انتخابها لعضوية الكنيست، غير أنها سرعان ما كانت تعود لتختفي من الخريطة السياسية الحزبية بعد دورة واحدة، أو دورتين، أو ثلاث دورات على الأكثر، الأمر الذي يتيح إمكان توصيفها بأنها «أحزاب موسمية».

ثانياً: عودة نتنياهو :

وفقاً لحملته الانتخابية وسياسته المعلنة فإن عودة نتنياهو تعني داخلياً استمرار حكومته في معالجة أزمة فيروس كورونا والتي ستكون على رأس جدول أعمال الحكومة، بجانب المهمات الأُخرى وهي: الميزانية العامة للدولة وإنعاش الاقتصاد. وخارجياً تعني محاربة إيران، ومحاربة التحقيق في ارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية الذي وصفه بأنه (تهديد استراتيجي لإسرائيل وجيشها) كما ستعمل حكومته علي  ضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل وفقاً لخطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المعروفة باسم صفقة القرن، حيث انه حتي الان لم تظهر معالم العلاقات بين نتنياهو والرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن والذي من المُرجح أن يستمر في تلك السياسة. كما أن عودة اليمين ستكون لها ظلالها السلبية على المنطقة العربية.

ثالثاً: ماهو انعكاس عودة اليمين الإسرائيلي على المنطقة العربية؟:

١/ لا لدولة فلسطينية: حيث تتقاسم قوى اليمين الصاعدة موقفًا موحدًا تجاه العمل على منع إقامة دولة فلسطينية وذلك برفض الأسس الدولية المتفق عليها للحل القائم على أساس دولتين لشعبين. الأمر الذي يؤدي صراحةً لرفض مبدأ حل الدولتين وضمناً رفض مبادرة السلام العربية.

٢/ مصير مدينة القدس: تتمسك القوى الإسرائيلية، وخاصة اليمين، بتثبيت السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس بشقيها الشرقي والغربي وترفض تقديم أي تنازلات في هذا الملف للجانب الفلسطيني. دعم ذلك الموقف  اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بمدينة القدس، بما فيها القدس الشرقية، عاصمة موحدة لإسرائيل ، الأمر الذي أنهى  طموح الفلسطينيين بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المُستقلة.

٣/  مستقبل اللاجئين الفلسطينيين: ترفض كافة الأطياف السياسية الإسرائيلية المؤثرة إبداء أية مرونة تجاه تسوية ملف اللاجئين بصورة تضمن حقوقهم المنصوص عليها في القوانين الدولية؛ حيث تعتبر عودة اللاجئين بمثابة النهاية لدولة إسرائيل. تنسق قوى اليمين واليمين المتطرف خطواتها لتصفية هذا الملف و إزالة ملف اللاجئين كعقبة مفترضة أمام إنجاز أية تسوية مستقبلية مع الفلسطينيين.

٤/ مزيد من التقارب الإسرائيلي-العربي: من المتوقع أن تعمل حكومة اليمين الإسرائيلي علي التقارب أكثر من العالم العربي  في مرحلة ما بعد الانتخابات، حيث هناك حاجة متبادلة ما بين نتنياهو وبعض الدول العربية، خاصة  الإمارات العربية المتحدة والبحرين، ( بعد توقيع الاتفاقيات الابراهيمية معهم) ولحق بهما السودان، وتسعى لفتح قنوات مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى لتعزيز  العلاقة معها بهدف تشكيل تحالف سياسي وعسكري في المنطقة تجاه تصاعد الهيمنة الإيرانية .

Related posts