المؤتمر الوطني .. الميت الحي

عمار حسن عمار

قد لا يتفق معي كثير من (المستوهمين) بأن المؤتمر الوطني قد مات يوم 11 ابريل 2019 ، لكن خلفائه في السلطة وجدوا أن لهم فائدة في إحيائه ، لسببين : أولا لأنهم بحاجة لعدو وهمي يصارعونه ويتخذونه شماعة لتعليق فشلهم وسوء تعاملهم مع ملفات الحكم وإدارة الدولة ، ثانيا لأن شركاء الحلف المدني العسكري كل منهما في حاجة لفزاعة يخيف بها الآخر ويخونه بالإنحياز لها ، فلنفترض – جدلا- أنه فعلا لا وجود للمؤتمر الوطني لا كحزب فاعل في السطح ولا كدولة عميقة (مفترضة) ناشطة في الخفاء ، فكيف سيكون شكل الصراع بين العسكر والمدنيين ؟؟ على من يرمي المدنيين في قحت أسباب فشلهم ؟ وكيف يتعامل العسكريون مع الملفات ذات الطبيعة الأمنية ؟ وكيف ستكون الخيارات أمام كلا الشريكين إن قرر أحدهما إستبدال شريكه ببديل ينتمي للسودان القديم ؟؟
أسئلة لا إجابة لها إلا في وجود (عدو / صديق محتمل ) حقيقيا كان أو وهميا ، والحقيقة أن المؤتمر الوطني هو حزب ميت لا يقبل أن يوصف بالموات ، فالحزب الرائد ذو السبع ملايين عضو مسجل ، والذي لطالما جاهر قادته بأنهم ليسوا (إتحادا إشتراكيا) آخر ولن يكونوا ، والحزب الذي أمتص الدولة وصنع من مواردها قططا سماناً كلما أضعفوا أحدها (سمن ) في مكانه عشرا ، سقط الحزب في إمتحان الولاء يوم 11 أبريل وأرتجف المنضوين إليه من سماع هتاف (أي كوز ندوسو دوس) ، ونسوا قسم الولاء للحركة الإسلامية التي فارقوها يوم أن خيروا بين سيف الدولة وبيرق الحركة ، فأختاروا سيف الدولة وسلطانها رغبة ورهبة وسخروا بيرق الحركة ليسقط السيف والبيرق معا بهتاف (تسقط بس) ، فسقط الحزب الذي صار في آخر أيامه حزبا (وظيفيا) يتنافس على مواقع القيادة والحظوة فيه كل من هب ودب ، ليلحق بهم آخر المطاف أهل السبق والصدق ممن جفت ذممهم الرخوة ويبست حلوقهم من كيد إخوتهم من رفاق البنادق والخنادق .

وإن كان من دور منتظر فهو في عرض الأفكار والمراجعات اللاحقة للسقوط والإستفادة من الإرث التنظيمي الذي بناه الحزب من بقائه ردحا طويلا في دهاليز الدولة


الحزب الميت الذي يسعى لأن يحسب مع الأحياء ، أحسب أن ما تبقى منه هو من أقوى عوامل مواته ، فواجباته كحزب حاكم سابقا ليست الدفاع عن التجربة فحسب ، لكن هي تقديم طرح جديد يشمل الإستفادة من التجربة وإستخلاص العبر وعرض منجزاته السابقة في إدارة الدولة ، وليس التشفي من الحاكمين الحاليين بعقد المقارنات العاجزة بين الأمس واليوم ، فهذه يعقدها الشعب الذي هو شاهد على التجربتين ، وإن كان من دور منتظر فهو في عرض الأفكار والمراجعات اللاحقة للسقوط والإستفادة من الإرث التنظيمي الذي بناه الحزب من بقائه ردحا طويلا في دهاليز الدولة ، الإرث الذي عززته خبرات تراكمية وتواصل أجيال بين القادة الجدد ومن سبقوهم من قادة تنظيم الحركة الإسلامية الذي له باع طويل في المعارضة قبل فترة الحكم الإنقاذي ولكنه عجز القادرين عن التمام وكمال قال الشهيد الفاتح حمزة في رسالته الشهيرة والتي يحفظها أغلب الإسلاميين ولا يعيها الا بعضهم ( أجيال الطموح والثورات والشهادة تربي على التواضع والواقعية والصبر علي الموت ، مات الدين وضاعت المقدرات وأهدرت الطاقات والوقت والحياة ، غابت عن حياتنا القيادات الربانية الثائرة ودار الأمر هيناً ليناً في رخاوة عهود التخلف والقعود ، على رأس الأمر دوائر من السكون ضيعت إرثاً بناه قبلها رجال ، بفعل التقليد والعجز والكسل لتطفيء حرارة الدماء وتبدد الطاقات بلا توظيف وتنسيء دماء الشهداء لأنه لا حكيم يحولها الي طاقة تورق وتزهر وترمي بالثمر ، جيل الجرأة علي الشيطان لا جيل الصمت علي الأخطاء ) ..
ويبقى من التوهم أن ظننا أن قحت العاجزة هي التي تكبل اللإسلاميين في الوطني وتحد من قدرتهم على القول والفعل ، كلا ! من يفعل ذلك قائد ميت أختطف دفة القيادة ، قد يكون فردا أو مجموعة عاجزة عن إحداث أثر أو إعادة حق ضائع ، ويكفيها بؤسا أنها من جيل النكبة الذي لن يصنع نهضة .



	

Related posts