الوليد سيد يكتب : السودان تهديدات الأمن الوطني والسلامة الوطنية

كان انطلاق  الدراسات المهتمة بالأمن الوطني والأمن القوميمتوافقاً مع ظروف عالمية سياسية وعسكرية جديدة أعقبت الحربالعالمية الثانية والتوازنات والتكتلات والمحاور التي نتجت عنالحرب بين القوى الدولية، بالإضافة إلى الانتشار الكثيف للأسلحةوالتطور النوعي الذي شهدته هذه الأخيرة، والذي أدى إلى تعديلاتفي النظام الدفاعي العالمي وثوابته التقليدية الموروثة، وفرض رؤيةجديدة للأمن، وتحديداً للمجال الأمني للدولوقد تحمّل مفهومالأمن القومي في نشأته الغربية الأمريكية بأهداف سياسية، حيثبرز كمحور للسياسات الخارجية للدول العظمى في فترة الحربالباردة والاستقطاب الدولي وارتبط بالعديد من المحاورالاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية  وغيرها.

غير أن مفهوم الأمن الوطني يذهب إلى تحديد أضيق للمفهومويعني توفير الحماية للمواطنين، والأفراد المتواجدين على أراضيالدولة، كما يُعرف أيضاً، بأنه استخدام الوسائل الأمنية للمحافظةعلى سير الحياة اليومية بشكل صحيح، وبعيداً عن وقوع أية أزماتتؤدي إلى التسبب بضرر لمكونات المجتمع البشرية والمادية ويعتمدمفهوم الأمن الوطني على مستويين أساسيين،وهماالمستوىالتقليدي، والذي يعتمد على دور الدولة بتطبيق الأمن، والمستوىالثاني الذي يرتبط بالدور الفعال للمؤسسات المحلية التي تساهمفي تعزيز الوجود الأمني.

وبالرغم من تعدد التعريفات المختلفة والمتشابهة للمفهومين (الامنالقومي والامن الوطنيإلا أن عدد من الباحثين اتفقوا علي تعريفيشمل المفهومين بصورة عامة وهوقدرة الدولة على التفاعلوالتكيف والاستجابة ضمن البيئة الاستراتيجية (المحلية، والإقليمية، والدولية)، من أجل حماية مواردها وأراضيها ومصالحهاالوطنية (وقت السلم والحرب).. 

علي ذلك فإن مفهوم الأمن الوطني يُعتبر  مسؤولية جماعية تبدأمن الفرد حتى رأس الهرم، كما أنه مرتبط بالتنمية، وثمة  علاقة وثيقة بين التنمية المجتمعية والأمن الوطني، ويتطلب ذلك منالدولة تحديداً تعزيز وتنمية هذه العلاقة بوضع  السياساتوالاستراتيجيات التي من شأنها أن تؤدي للارتقاء بالتعليم، وتعزيزالهوية الوطنية، وتعزيز دور المرأة والشباب، ونشر ثقافة التسامح، وتدعيم  قيم التعايش والسلام، و توسيع دائرة الحوار، و محاربةالتطرف ومحاصرة خطاب الكراهية باعتباره مدخلاً لتعزيز الأمنالوطني وتحقيق السلام والاستقرار.

يواجه  السودان حالياً تهديدات مباشرة تتصل بأمنه الوطني، تتعلق  بالعوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والعسكرية، ولا يحتاج الواقع في تلك العوامل الأربعة لشرح مستفيض، فالواقعالاقتصادي متردي وكذلك التشرذم السياسي وعدم التوافق نحوتسوية سياسية تُشرك الجميع، بجانب تعدد المؤسسات العسكريةوالقوات حاملة السلاح خاصة بعد توقيع اتفاق السلام مع الحركاتالمسلحة، كل ذلك بجانب الانقسام المجتمعي الحاد الذي تشهدهالبلادويمكن تبيان ذلك في التالي:

اولاً: علي المستوي السياسي:

جميع تلك  التهديدات هي ذات طبيعة سياسية حيث تنعكسمباشرة في  عدم الاستقرار السياسي وضعف شرعية السلطة، واتجاه الحياة السياسية إلى علاقات العنف بين مكونات المجتمع، وكثرة القوى المؤثرة في صنع القرار، والتخلف السياسي، وعدموجود مشاركة شعبية في النظام السياسي، وعدم تعميق الشعوربالولاء والانتماء السياسي، إضافة إلى وجود جماعات مصالح لهانفوذ قوي وتسيطر على عملية اتخاذ القرار، بالإضافة كذلك إلىضعف نفوذ السلطة التنفيذية، وإهدار كرامة القضاء وهيبته، وعدموضوح الأهداف وتعارضها

 ثانياً: المستوي العسكري:

كما تؤثر تلك التهديدات علي الطبيعة العسكرية للبلاد، إذ تتمظهرفي  ضعف القوة العسكرية للدولة، واختلاف الطبيعة الاجتماعيةداخل بنية  الجيش، الأمر الذي يُمكن  أن يُستغل لإيجاد الفرقةوالصراع والحرب الأهلية بين قطاعات الجيشويزيد من تلكالمخاطر وجود ميليشيات عسكرية (عدد من القواتلا تخضعلسيطرة جهاز الدولةوهناك مؤشرات يمكن عن طريقها قياسعوامل التهديد العسكرية، منها تدخل القوات المسلحة في السياسة، ومدى وجود قوات شبه عسكرية غير خاضعة لسيطرة الدولة، وعدمكفاية الإنتاج الحربي لسد حاجة القوات المسلحة من الأسلحةوالمعدات وقطع الغيار، ويزيد على ذلك وجود قواعد عسكرية أجنبيةعلى أرض الدولة ولا تخضع لرقابتها، وعدم قدرة الدولة على التعبئةالسريعة لإمكاناتها العسكرية والمدنية.

 ثالثاً:المستوي الأقتصادي:

توجد عوامل تهديد داخلية للأمن الوطني ذات طبيعة اقتصادية، حيث يعتبر التخلف الاقتصادي والوضع المنهار اقتصادياً من أهمتلك العواملويمكن قياس عوامل التهديد الداخلية ذات الطبيعةالاقتصادية بدرجة الفقر وانخفاض مستوى المعيشة، ووجود فوارقكبيرة في الدخل بين الطبقات وارتفاع نسبة البطالة، إضافة إلى عدمتوافر المواد الأولية والطاقة اللازمة للصناعة، وضعف الإنتاجالصناعي والزراعي والحيواني وعدم كفايته لتلبية احتياجاتالجماهير، وعدم وجود اكتفاء ذاتي في المواد الغذائيةوالإستراتيجية، وضعف مستوى الخدمات والمرافق والبنيةالأساسية للدولة، والاعتماد على الشركات متعددة الجنسيات وعلىالبنوك الأجنبية، وارتفاع معدلات الاستهلاك مقابل انخفاض معدلاتالادخار والاستثمار بجانب انهيار قيمة العملة الوطنية.

 رابعاً: المستوي الإجتماعي:

أما بالنسبة لعوامل التهديد ذات الطبيعة الاجتماعية على المستوىالداخلي، فيمكن القول إن الجبهة الداخلية تعد من الأمور الحاسمةلصد أية تدخلات خارجية، وأصبحت الجماهير العادية تؤثر بشكلمباشر، ليس فقط على السياسة الداخلية، بل على السياسةالخارجية للدولةولهذا فإن إمكانيات الدعاية والحرب النفسيةللتأثير على هذه الجماهير ممكنة وتقود إلى نتائج وخيمة، حيثيمكن لدولة ما أن تستغل الوضع في دولة أخرى تتقاسمها طوائفمتصارعة ومتعددةوقد كانت مشكلة حماية الأقليات والتدخلالخارجي لحمايتها من أهم ذرائع الاستعماروبالتالي فإن تلكالعوامل يمكن قياسها من خلال إثارة النعرات الطائفية والقبليةوالدينية والسياسية ودرجة وجود خلل في التركيب الاجتماعيوانخفاض مستوى التعليم والصحة والإدارة والانضباط أو وجودخلل بين السكان والنمو الاقتصادي.

وتاسيساً علي ماسبق فإن الامر يحتاج لصياغة استراتيجية وطنيةواضحة المعالم لتنمية قوى الدولة لمواجهة هذه التحديات، وإعدادالسيناريوهات والخطط المناسبة لمواجهة التهديدات للوصولللسلامة الوطنية، حيث أنها تُعبِّر عن حالة الأمان الوطني الموثوقبها، والتي يتم بناؤها من خلال اعتماد الدولة على نفسها، وبمايتوافر لها من قدرات من دون أيِّ مساعدة من الآخرين.كما أن للجبهة الداخلية دور مهم في ضمان الأمن الوطني للسودان، فالجلي للناظرين أن الخطر اليوم لا يتمثل في الحروب التقليدية أوالغزو الخارجي فقط، وإنما يكمن في كيفية المحافظة على تماسكالجبهة الداخلية وحمايتها من التصدُّعات الأفقية والعمودية، وإدراك التحديات والمخاطر مبكراً.

Related posts